﴿هُوَ﴾ تعالى :﴿أَعْلَمُ بِمَا تُفِيضُونَ فِيهِ﴾.
يقال : أفاضوا في الحديث : إذا خاضوا فيه وشرعوا ؛ أي : تخوضون في قدح القرآن وطعن آياته وتسميته سحراً تارة وفرية أخرى.
﴿كَفَى بِهِ﴾ ؛ أي : الله والباء صلة.
﴿شَهِيدَا بَيْنِى وَبَيْنَكُمْ﴾ حيث يشهد لي بالصدق والبلاغ وعليكم بالكذب والجحود، وهو وعيد بجزاء إفاضتهم.
﴿وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ﴾ وعد بالغفران والرحمة لمن تاب وآمن وإشعار بحلم الله عليهم مع عظم جراءتهم.
وفيه إشارة إلى أن الذين عموا عن رؤية الحق وصموا عن سماع الحق رموا ورثة الرسل بالسحر وكلامهم بالافتراء، وخاضوا فيهم، ولما كان شاهد الحال الكل جازى الصادق في الدنيا والآخرة بالمزيد، والكاذب بالخذلان والعذاب الشديد :(أبو يزيد بسطامي را قدس سره برسيدندكه قومى كويند كه كليد بهشت كلمة لا إله إلا الله است كفت بلى وليكن كليد بى دندان در باز نكشايد ودندان اوجهار جيزست زبان از دروغ وبهتان وغيبت دور ودل از مكر وخيانت صافى وشكم از حرم وشبهت خالى وعمل از هوا وبدعت باك).
فظهر أنه لا بد من تظهير الظاهر والباطن من الأنجاس والأرجاس بمتابعة ما جاء به خير الناس، فإنما يفترق السحر والكرامة بهذه المتابعة، كما قالوا : إن السحر يظهر على أيدي الفساق والزنادقة والكفار الذين هم على غير الالتزام بالأحكام الشرعية ومتابعة السنة، فأما الأولياء فهم الذين بلغوا في متابعة السنة وأحكام الشريعة وآدابها الدرجة العليا.
قال الشيوخ قدس الله أسرارهم : أقل عقوبة المنكر على الصالحين أن يحرم بركتهم، وقالوا : ويخشى عليه سوء الخاتمة نعوذ بالله
٤٦٦
من سوء القضاء.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٤٦١
قال الأستاذ أبو القاسم الجنيد قدس سره : التصديق بعلمنا هذا ولاية، يعني : الولاية الصغرى دون الكبرى والعجب من الكفار كفروا بآيات الله مع وضوح برهانها، فكيف يؤمنون بغيرها من آثار الأولياء نعم إذا كان من الله تعالى توفيق خاص يحصل المرام.
حكي عن أبي سليمان الداراني قدس سره أنه قال : اختلفت إلى مجلس بعض القصاص فأثر كلامه في قلبي، فلما قمت لم يبق في قلبي منه شيء، فعدت ثانياً فسمعت كلامه فبقي في قلبي أثر كلامه في الطريق، ثم ذهب ثم عدت ثالثاً، فبقي أثر كلامه في قلبي حتى رجعت إلى منزلي، فكسرت آلات المخالفة ولزمت الطريق، ولما حكى هذه الحكاية للشيخ العارف الواعظ يحيى بن معاذ الرازي قدس سره قال : عصفور اصطاد كركياً يعني : بالعصفور القاص، وبالكركي أبا سليمان الداراني، فباب الموعظة مفتوح لكل أحد لكن لا يدخل بالقبول إلا من رحمه الله تعالى وأعظم المواعظ مواعظ القرآن.
قال المولى الجامي :
حق ازان حبل خواند قرآنرا
تابكيرى بسان حبل آنرا
بدرآيى زجاه نفس وهوى
كنى آهنك عالم بالا
﴿قُلْ مَا كُنتُ بِدْعًا مِّنَ الرُّسُلِ﴾ : البدع بالكسر بمعنى البديع، وهو من الأشياء ما لم ير مثله كانوا يقترحون عليه صلى الله عليه وسلّم آيات عجيبة ويسألونه عن المغيبات عناداً ومكابرة، فأمر عليه السلام بأن يقول لهم : ما كنت بدعاً من الرسل ؛ أي : لست بأول مرسل أرسل إلى البشر، فإنه تعالى قد بعث قبلي كثيراً من الرسل وكلهم قد اتفقوا على دعوة عباد الله إلى توحيده وطاعته، ولست داعياً إلى غير ما يدعون إليه، بل أدعو إلى الله بالإخلاص في التوحيد والصدق في العبودية وبعثت لأتمم مكارم الأخلاق، ولست قادراً على ما لم يقدروا عليه حتى آتيكم بكل ما تقترحونه، وأخبركم بكل ما تسألون عنه من الغيوب، فإن من قبلي من الرسل ما كانوا يأتون إلا بما آتاهم من الآيات، ولا يخبرون قومهم إلا بما أوحي إليهم، فكيف تنكرون مني إن دعوتكم إلى ما دعا إليه من قبلي من الأنبياء، وكيف تقترحون علي ما لم يؤته الله إياي.
﴿وَمَآ أَدْرِى مَا يُفْعَلُ بِى وَلا بِكُمْ﴾ ما : الأولى نافية ولا تأكيد لها.
والثانية : استفهامية مرفوعة بالابتداء خبرها يفعل، وجوز أن تكون الثانية موصولة منصوبة بأدري، والاستفهامية أقضى لحق مقام التبري من الدراية.
والمعنى : وما أعلم أي شيء يصيبنا فيما يستقبل من الزمان، وإلى من يصير أمري وأمركم في الدنيا، فإنه قد كان في الأنبياء من يسلم من المحن.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٤٦١
ومنهم : من يمتحن بالهجرة من الوطن.
ومنهم : من يبتلى بأنواع الفتن، وكذلك الأمم.
منهم : من أهلك بالخسف.