وفي الفقه : مدة الرضاع ثلاثون شهراً عند أبي حنيفة وسنتان عند الإمامين.
وهذا الخلاف في حرمة الرضاع أما استحقاق أجر الرضاع، فمقدر بحولين لهما قوله تعالى :﴿وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَـادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ﴾ (البقرة : ٢٣٣).
وله قوله تعالى :﴿وَحَمْلُه وَفِصَـالُه ثَلَـاثُونَ شَهْرًا﴾ : ذكر شيئين وهما : الحمل والفصال.
وضرب لهما مدة ثلاثين شهراً، وكان لكل واحد منهما بكمالها كلأجل المضروب لدينين، لكن مدة الحمل انتقصت بالدليل، وهو قول عائشة رضي الله عنها : الولد لا يبقى في بطن أمه أكثر من سنتين، ولو بقدر ظل مغزل.
والظاهر أنها قالته سماعاً ؛ لأن المقادير لا يهتدي إليها بالرأي، فبقي مدة الفصال على ظاهرها، ويحمل قوله تعالى :﴿يُرْضِعْنَ أَوْلَـادَهُنَّ حَوْلَيْنِ﴾ (البقرة : ٢٣٣) على مدة استحقاق أجرة الرضاع حتى لا يجب نفقة الإرضاع على الأب بعد الحولين.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٤٦١
والمراد : السنة القمرية على ما أفادته الآية، كما قال : شهراً لا الشمسية.
وقال في "عين المعاني" : أقل مدة الحمل ستة أشهر، فبقي سنتان للرضاع.
وبه قال أبو يوسف ومحمد.
وقال أبو حنيفة : المراد منه الحمل على اليد لو حمل على حمل البطن كان بيان الأقل مع الأكثر انتهى.
قيل : ولعل تعيين أقل مدة الحمل وأكثر مدة الرضاع ؛ أي : في الآية لانضباطهما وتحقق ارتباط النسب والرضاع بهما، فإن من ولدت لستة أشهر من وقت التزوج يثبت نسب ولدها، كما وقع في زمان علي كرم الله وجهه، فحكم بالولد على أبيه، فلو جاءت بولد لأقل من ستة لم يلزم الولد للزوج ويفرق بينهما، ومن مص ثدي امرأة في أثناء حولين من مدة ولادته تكون المرضعة أماً له، ويكون زوجها الذي لبنها منه أباً له.
قال في "الحقائق" الفتوى في مدة الرضاع على قولهما.
وفي "فتح الرحمن" : اتفق الأئمة على أن مدة الحمل ستة أشهر، واختلفوا في أكثر مدته، فقال أبو حنيفة سنتان.
والمشهورعن ملك خمس سنين.
وروي عنه أربع وسبع، وعند الشافعي وأحمد أربع سنين وغالبها تسعة أشهر.
انتهى.
وفي "إنسان العيون" ذكر : أن مالكاً رضي الله عنه مكث في بطن أمه سنتين.
وكذا الضحاك بن مزاحم التابعي.
وفي "محاضرات السيوطي" : إن مالكاً مكث في بطن أمه ثلاث سنين وأخبر سيدنا مالك أن جارة له ولدت ثلاثة أولاد في اثنتني عشرة سنة تحمل أربع سنين.
﴿حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ﴾ غاية لمحذوف ؛ أي : أخذ ما وصيناه به حتى إذا بلغ وقت أشده بحذف المضاف وبلوغ الأشد أن يكتهل، ويستوفي السن الذي تستحكم فيه قوته وعقله وتمييزه وسن الكهولة ما بين الشباب وسن الشيخوخة.
قال في "فتح الرحمن" : أشده كمال قوته وعقله ورأيه وأقله ثلاث وثلاثون وأكثره أربعون.
﴿وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً﴾ ؛ أي : تمام أربعين بحذف المضاف.
قيل : لم يبعث نبي قبل أربعين، وهو ضعيف جداً، يدل على ضعفه أن عيسى ويحيى عليهما السلام بعثاً قبل الأربعين، كما في "بحر العلوم" وجوابه أنه من إقامة الأكثر الأغلب مقام الكل، كما في "حواشي سعد المفتي".
قال ابن الجوزي قوله : ما من نبي نبىء إلا بعد الأربعين موضوع ؛ لأن عيسى نبىء ورفع إلى السماء، وهو ابن ثلاث وثلاثين سنة، فاشتراط الأربعين في حق الأنبياء ليس بشيء، انتهى.
وكذا نبىء يوسف عليه السلام، وهو ابن ثماني عشرة سنة، كما في التفاسير، وقس على النبوة الولاية وقوة الإيمان والإسلام.
﴿قَالَ رَبِّ﴾ :(كفت بروردكار من).
﴿أَوْزِعْنِى﴾ ؛ أي : ألهمني.
وبالفارسية :(الهام ده مرا وتوفيق بخش).
وأصله : الإغراء بالشيء من قولهم : فلان موزع بكذا ؛ أي : مغرى به.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٤٦١
وقال الراغب : وتحقيقه أولعني بذلك والإيلاع سخت حريص شدن.
أو اجعلني بحيث أزع نفسي عن الكفران ؛ أي : أكفها.
﴿أَنِ اشْكُرْ﴾ :(تاشكر كنم).
﴿نِعْمَتَكَ الَّتِى أَنْعَمْتَ عَلَىَّ وَعَلَى وَالِدَىَّ﴾ ؛ أي : نعمة الدين والإسلام ؛ فإنها النعمة الكاملة، أو ما يعمها وغيرها وجمع بين شكري النعمة عليه، وعلى والديه ؛ لأن النعمة عليهما نعمة عليه.
﴿وَأَنْ أَعْمَلَ صَـالِحًا تَرْضَـاـاهُ﴾ ؛ أي : تقبله، وهي الفرائض الخمس وغيرها من الطاعات والتنوين للتفخيم والتنكير.
وقال بعضهم : العمل الصالح المقرون بالرضا بذل النفس، والخروج مما سوى الله إلى مشاهدة الله.
وفيه إشارة إلى أنه لا يمكن للعبد أن يعمل عملاً يرضى به ربه إلا بتوفيقه وإرشاده.
﴿وَأَصْلِحْ لِى فِى ذُرِّيَّتِى﴾ ذرأ الشيء كثر.
ومنه الذرية لنسل الثقلين، كما في "القاموس" ؛ أي : واجعل الصلاح سارياً في ذريتي راسخاً فيهم، ولذا استعمل بفي، وإلا فهو يتعدى بنفسه، كما في قوله : وأصلحنا له زوجه.
٤٧٤
قال سهل : اجعلهم لي خلف صدق ولك عبيداً حقاً.
وقال محمد بن علي : لا تجعل للشيطان والنفس والهوى عليهم سبيلاً.
وفيه إشارة إلى أن صلاحية الآباء تورث صلاحية الأبناء.