قال الإمام اليافعي : حكي أن الله سبحانه أوحى إلى سليمان بن داود عليهما السلام أن اخرج إلى ساحل البحر تبصر عجباً، فخرج سليمان، ومن معه من الجن والإنس، فلما وصل إلى الساحل التفت يميناً وشمالاً، فلم ير شيئاً، فقال لعفريت غص في هذا البحر، ثم ائتني بعلم ما تجد فيه فغاص فيه، ثم رجع بعد ساعة.
وقال : يا نبي الله إني ذهبت في هذا البحر مسيرة كذا وكذا، فلم أصل إلى قعره ولا أبصرت فيه شيئاً، فقال لعفريت آخر : غص في هذا البحر وائتني بعلم ما تجد فيه، فغاص ثم رجع بعد ساعة.
وقال مثل قول الأول : أنه غاص مثل الأول مرتين، فقال لآصف بن برخيا، وهو وزيره الذي ذكره الله تعالى في القرآن بقوله : حكاية عنه.
قال الذي عنده علم من الكتاب : ائتني بعلم ما في هذا البحر، فجاءه بقبة من الكافور الأبيض لها أربعة أبواب باب من در وباب من جوهر وباب من زبرجد أخضر وباب من ياقوت أحمر، والأبواب كلها مفتحة، ولا يقطر فيها قطرة من الماء، وهي في داخل البحر في مكان عميق مثل مسيرة ما غاص فيه العفريت الأول ثلاث مرات، فوضعها بين يدي سليمان عليه السلام، وإذا في وسطها شاب حسن الشباب نقي الثياب، وهو قائم يصلي، فدخل سليمان القبة وسلم على ذلك الشاب، وقال له : ما أنزلك؟ في قعر هذا البحر، فقال : يا نبي الله إنه كان أبي رجلاً مقعداً، وكانت أمي عمياء، فأقمت في خدمتهما سبعين سنة، فلما حضرت وفاة أمي، قالت : اللهم أطل حياة ابني في طاعتك، فلما حضرت وفاة أبي، قال : اللهم استخدم ولدي في مكان لا يكون للشيطان عليه سبيل، فخرجت إلى هذا الساحل بعدما دفنتهما، فنظرت هذه القبة موضوعة، فدخلتها لأنظر حسنها، فجاء ملك من الملائكة، فاحتمل القبة وأنا فيها، وأنزلني في قعر هذا البحر.
قال سليمان : ففي أي زمان كنت أتيت هذا الساحل؟ قال : في زمن إبراهيم الخليل عليه السلام، فنظر سليمان في التاريخ، فإذا له ألفا سنة وأربعمائة سنة، وهو شاب لا شيبة فيه، قال : فما طعامك وشرابك في داخل هذا البحر؟ قال : يا نبي الله يأتيني كل يوم طير أخضر في منقاره شيء أصفر مثل رأس
٤٧٦
الإنسان، فآكله فأجد فيه طعم كل نعيم في دار الدنيا، فيذهب عني الجوع والعطش والحر والبرد والنوم والنعاس والفترة والوحشة.
فقال سليمان : أتقف معنا أم نردك إلى موضعك، فقال : ردني يا نبي الله، فقال : رده يا آصف فرده، ثم التفت، فقال : انظروا كيف استجاب الله دعاء الوالدين، فأحذركم عقوق الوالدين رحمكم الله.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٤٦١
قال الإمام السخاوي عن ابن عمر رضي الله عنه رفعه : أني سألت الله أن لا يقبل دعاء حبيب على حبيبه، ولكن قد صح أن دعاء الوالد على ولده لا يرد، فيجمع بينهما، وجاء رجل إلى النبي عليه السلام ليستشيره في الغزو، فقال : ألك والدة؟ قال : نعم، قال : فالزمها فإن الجنة تحت قدميها :
جنت كه سراى مادرانست
زير قدمات مادرانست
روزى بكن اى خداى مارا
جيزى كه رضاى مادرانست
ومنه : الإعانة والتوفيق للخدمة المرضية بالنفوس الطيبة الراضية.
﴿وَلَقَدْ ءَاتَيْنَا بَنِى إسرائيل الْكِتَـابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ وَرَزَقْنَـاهُم مِّنَ الطَّيِّبَـاتِ وَفَضَّلْنَـاهُمْ عَلَى الْعَـالَمِينَ * وَءَاتَيْنَـاهُم بَيِّنَـاتٍ مِّنَ الامْرِا فَمَا اخْتَلَفُوا إِلا مِنا بَعْدِ مَا جَآءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيَا بَيْنَهُمْ إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِى بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَـامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ * ثُمَّ جَعَلْنَـاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِّنَ الامْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَآءَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ﴾.
﴿وَالَّذِى﴾ مبتدأ خبره قوله : أولئك ؛ لأن المراد به ؛ أي : بالموصول الجنس.
﴿قَالَ لِوَالِدَيْهِ﴾ عند دعوتهما له إلى الإيمان، ويدخل فيه كل عبد سوء عاق لوالديه فاجر لربه.
﴿أُفٍّ لَّكُمَآ﴾ :(كراهيت وننك مرشمارا).
وهو صوت يصدر عن المرء عند تضجره وكراهيته، واللام لبيان المؤفف له كما في هيث لك ؛ أي : هذا التأفيف لكما خاصة.
وقال الراغب : أصل الأف كل مستقذر من وسخ وقلامة ظفر، وما يجري مجراهما، ويقال ذلك : لكل مستخف به استقذاراً له.
﴿أَتَعِدَانِنِى﴾ :(آيا وعدمى دهيد مرا).
﴿أَنْ أَخْرِجْ﴾ : أبعث من القبر بعد الموت ﴿وَقَدْ خَلَتِ الْقُرُونُ مِن قَبْلِى﴾ ؛ أي : وقد دخلت أمة بعد أمة من قبلي، ولم يبعث منهم واحد، ولم يرجع، والقرن القوم المقترنون في زمن واحد والخلو المضي.


الصفحة التالية
Icon