﴿وَهُمَا يَسْتَغِيثَانِ اللَّهَ﴾ ويسألانه أن يغيثه ويوفقه للإيمان.
﴿وَيْلَكَ﴾ ؛ أي : قائلين له : ويلك ومعناه بالفارسية :(واى برتو).
وهو في الأصل دعاء عليه بالهلاك أريد به الحث والتحريض على الإيمان لا حقيقة الهلاك وانتصابه على المصدر بفعل مقدر بمعناه لا من لفظه، وهو من المصادر التي لم تستعمل أفعالها.
وقيل : هو مفعول به ؛ أي : ألزمك الله ويلك.
﴿مِن﴾ ؛ أي : صدق بالبعث والإخراج من الأرض.
﴿إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ﴾ ؛ أي : موعوده، وهو البعث أضافه إليه تحقيقاً للحق وتنبيهاً على خطاه في إسناد الوعد إليهما.
﴿حَقٍّ﴾ كائن لا محالة ؛ لأن الخلف في الوعد نقص يجب تنزيه الله عنه.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٤٦١
﴿فَيَقُولُ﴾ : مكذباً لهما ﴿مَا هَـاذَآ﴾ الذي تسميانه وعد الله ﴿إِلا أَسَـاطِيرُ الاوَّلِينَ﴾ أباطيلهم التي يسطرونها في الكتب من غير أن يكون لها حقيقة كأحاديث رستم وبهرام وإسفنديار.
﴿أولئك﴾ القائلون هذه المقالات الباطلة ﴿الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ﴾، وهو قوله تعالى لإبليس لأملأن جهنم منك وممن تبعك منهم أجمعين، كما ينبىء عنه قوله تعالى :﴿فِى أُمَمٍ﴾ حال من اغجرور في عداد أمم.
﴿خَلَتْ مِن قَبْلِهِم مِّنَ الْجِنِّ وَالانسِ﴾ بيان للأمم ﴿أَنَّهُمْ﴾ جميعاً أي : هم والأمم ﴿كَانُوا خَـاسِرِينَ﴾ قد ضيعوا فطرتهم الأصلية الجارية مجرى الأم رؤوس أموالهم باتباع الشيطان.
والجملة تعليل للحكم بطريق الاستئناف التحقيقي.
﴿ثُمَّ جَعَلْنَـاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِّنَ الامْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَآءَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ * إِنَّهُمْ لَن يُغْنُوا عَنكَ مِنَ اللَّهِ شَيْـاًا وَإِنَّ الظَّـالِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَآءُ بَعْضٍا وَاللَّهُ وَلِىُّ الْمُتَّقِينَ * هَـاذَا بَصَائرُ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ﴾.
﴿وَلِكُلِّ﴾ من الفريقين المذكورين ﴿دَرَجَـاتٌ مِّمَّا عَمِلُوا﴾ مراتب من أجزية ما عملوا من الخير والشر، فمن نعت الدرجات، ويجوز أن تكون بيانية، وما موصولة، أو من أجل أعمالهم، فما مصدرية، ومن متعلق بقوله : لكل.
والدرجات في مراتب المثوبة وإيرادها هنا بطريق التغليب.
﴿وَلِيُوَفِّيَهُمْ أَعْمَـالَهُمْ﴾ وليعطيهم أجزية أعمالهم وافية تامة من وفاه حقه إذا أعطاه إياه وافياً تاماً.
٤٧٧
﴿وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ﴾ بنقص ثواب الأولين وزيادة عقاب الآخرين، واللام متعلقة بمحذوف مؤخر ؛ كأنه قيل : وليوفيهم أعمالهم ولا يظلمهم حقوقهم فعل ما فعل من تقدير الأجزية على مقادير أعمالهم، فجعل الثواب درجات والعقاب دركات.
وفي الآية ذم لمن اتصف في حق الوالدين في التأفيف.
وفي ذلك تنبيه على ما وراءه من التعنيف، فحكم أن صاحبه من أهل الخسران.
والخسران نقصان في الإيمان، فكيف بمن خالف مولاه وبالعصيان آذاه.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٤٦١
وفي الحديث :"إن الجنة يوجد ريحها من مسيرة خمسمائة عام، ولا يجد ريحها عاق ولا قاطع رحم.
وقيل : لما دخل يعقوب على يوسف عليهما السلام لم يقم له، فأوحى الله إليه، أتتعاظم أن تقوم لأبيك؟ وعزتي لا أخرجت من صلبك نبياً، كما في "الإحياء" قيل : إذا تعذر مراعاة حق الوالدين جميعاً بأن يتأذى أحدهما بمراعاة الآخر يرجح حق الأب فيما يرجع إلى التعظيم والاحترام ؛ لأن النسب منه، ويرجح حق الأم فيما يرجع إلى الخدمة والإنعام حتى لو دخلا عليه يقوم للأب، ولو سألا منه شيئاً يبدأ في الإعطاء بالأم، كما في "منبع الآداب".
قال الإمام الغزالي : أكثر العلماء على أن طاعة الأبوين واجبة في الشبهات، ولم تجب في الحرام المحض حتى إذا كانا ينتقصان بانفرادك عنهما بالطعام، فعليك أن تأكل معهما ؛ لأن ترك الشبهة ورع ورضا الوالدين حتم.
وكذلك ليس لك أن تسافر في مباح أو نافلة، إلا بإذنهما، والمبادرة إلى الحج الذي هو فرض الإسلام نفل ؛ لأنه على التأخير والخروج لطلب العلم نفل إلا إذا كان خروجك لطلب علم الفرض من الصلاة والصوم، ولم يكن في بلدك من يعلمك، وذلك كمن يسلم ابتداء في بلد ليس فيه من يعلمه شرع الإسلام، فعليه الهجرة، ولا يتقيد بحق الوالدين، ويثبت بولاية الحسبة للولد على الوالد، والعبد على السيد، والزوجة على الزوج، والتلميذ على الأستاذ، والرعية على الوالي لكن بالتعريف.
ثم الوعظ والنصح باللطف لا بالسب والتعنيف والتهديد، ولا بمباشرة الضرب، ويجب على الأبوين أن لا يحملا الولد على العقوق بسوء المعاملة والجفاء، ويعيناه على البر.
قال عليه السلام : رحم الله والداً أعان ولده على البر ؛ أي : لم يحمله على العقوق بسوء عمله.
قال الحسن البصري : من عقل الرجل أن لا يتزوج وأبواه في الحياة.
انتهى.
فإنه ربما لا يرضى أحدهما عنه بسبب زوجته، فيقع في الإثم.
قال الحافظ :
هيج رحمى نه برادر به برادر دارد
هيج شوقي نه بدر رابه بسر مى بينم
دخترا نرا همه جنكست وجدل بامادر


الصفحة التالية
Icon