ما تشتهيه الأنفس ؛ أي : من نعيم الجنة ؛ فإنها من طيباتها وتلذ الأعين، وهو مشاهدة الجمال والجلال، وهي طيبات الروح.
كذا في "التأويلات النجمية".
والآية منادية بأن استيفاء الحظ من الدنيا ولذاتها صفة من صفات أهل النار، فعلى كل مؤمن ذي عقل وتمييز أن يجتنب ذلك اقتداء بسيد الأنبياء وأصحابه الصالحين، حيث آثروا اجتناب اللذات في الدنيا رجاء ثواب الآخرة.
قال الصائب :
افتد هماى دولت اكر در كمندما
از همت بلند رها ميكنيم ما
قال الواسطي : من سره شيء من الألوان الفانية دق أو جل دخل تحت هذه الآية.
روي عن عمر رضي الله عنه أنه دخل على رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم، وهو على سرير، وقد أثر بجنبيه الشريط، فبكى عمر، فقال :"ما يبكيك يا عمر؟"، فقال : ذكرت كسرى وقيصر وما كانا فيه من الدنيا وأنت رسول رب العالمين قد أثر بجنبيك الشريط، فقال عليه السلام :"أولئك قوم عجلت لهم طيباتهم في حياتهم الدنيا ونحن قوم أخرت لنا طيباتنا في الآخرة".
قالت عائشة رضي الله عنها : ما شبع محمد من خبز الشعير يومين متتابعين حتى قبض رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم، وأول بدعة حدثت بعده الشبع، وقالت أيضاً : وقد كان يأتي علينا الشهر ما نوقد فيه ناراً، وما هو إلا الماء والتمر غير أنه جزى الله عنا نساء الأنصار خيراً.
كن ربما أهدين لنا شيئاً من اللبن.
قال في "كشف الأسرار" :(ملك زمين برسول الله عرض كردند واو بندكى اختيار كرد واز ملكى اعراض كرد وكفت).
أجوع يوماً وأشبع يوماً.
قال جابر بن عبد الله رضي الله عنه رأى عمر بن الخطاب رضي الله عنه لحماً معلقاً في يدي، فقال : ما هذا يا جابر؟ قلت : اشتهيت لحماً فاشتريته، فقال عمر : أو كل ما اشتهيت يا جابر اشتريت، أما تخاف هذه الآية؟ أذهبتم طيباتكم في حياتكم الدنيا :
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٤٦١
نفس را بدخوا بناز ونعمت دنيا مكن
آب ونان سير كاهل ميكند مزدوررا
قال أبو هريرة رضي الله عنه : لقد رأيت سبعين نفساً من أصحاب الصفة رضي الله عنهم ما منهم رجل عليه رداء إما إزاراً وكساء قد ربطوه فيف أعناقهم فمنها ما يبلغ نصف الساقين، ومنها : ما يبلغ الكعبين، فيجمعه بيده كراهية أن ترى عورته.
وفي الحديث :"من قضى نهمته في الدنيا حيل بينه وبين شهوته في الآخرة، ومن مد عينه إلى زينة المترفين كان مهيناً في ملكوت السماوات، ومن صبر على الفوت الشديد أسكنه الله الفردوس حيث شاء.
قال الشيخ سعدي :
مبرورتن ار مردراى وهشى
كه اورا جومى برورى مى كشى
خور وخواب تنها طريق ددست
بربن بدون آبين تانجر دست
قناعت توانكر كند مردرا
خبركن حريص جهان كردرا
غدا كر لطيفست وكز سرسرى
جوديرت بدست اوفتد خوش خورى
كر ازاده برزمين خسب وبس
مكن نهر قال زمين بوس كس
مكن خانه برراه سيل اى غلام
كه كس رانكشت ابن همارت تمام
ومن الله العون في طريقه والوصول إليه بإرشاده وتوفيقه.
﴿وَاذْكُرْ أَخَا عَادٍ﴾ ؛ أي : واذكر يا محمد لكفار مكة هوداً عليه السلام ليعتبروا من حال قومه.
وبالفارسية :(وياد بن برادر عاد يعنى بيغمبرى كه از قبيلة عاد بود).
فمعنا أخا عاد واحداً منهم في النسب لا في الدين، كما في قولهم : يا أخا العرب وعاد هم ولد عاد بن عوص بن إرم بن سام بن نوح وهود هو ابن عبد الله ابن رباح بن الخلود بن عاد ﴿إِذْ أَنذَرَ قَوْمَهُ﴾ بدل اشتمال منه ؛ أي : وقت إنذاره إياه ﴿بِالاحْقَافِ﴾ بموضع يقال له : الأحقاف :(وآن ريكستاني بود نزديك حضرموت
٤٨٠
بولايت يمن).
جمع : حقف وهو رمل مستطيل مرتفع فيه انحناء من احقوقف الشيء إذا اعوج، وإنما أخذ الحقف من احقوقف مع أن الأمر ينبغي أن يكون بالعكس ؛ لأن احقوقف أجلى معنى وأكثر استعمالاً، فكانت له من هذه الجهة أصالة، فأدخلت عليه كلمة الابتداء للتنبيه على هذا، كما في "حواشي سعدي المفتي".
وعن بعضهم : كانت عاد أصحاب عمد سيارة في الربيع، فإذا هاج العود رجعوا إلى منازلهم، وكانوا من قبيلة إرم يسكنون بين رمال مشرفة على البحر بأرض يقال لها : الشحر من بلاد اليمن، وهو بكسر الشين وسكون الحاء، وقيل : بفتح الشين ساحل البحر بين عمان وعدن، وقيل : يسكنون بين عمان ومهرة وعمان بالضم والتخفيف بلد باليمن، وأما الذي بالشام، فهو عمان بالفتح والتشديد ومهرة موضع ينسب إليه الإبل المهرية.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٤٦١
قال في "فتح الرحمن" : الصحيح من الأقوال أن بلاد عاد كانت في اليمن ولهم كانت إرم ذات العماد، والأحقاف جمع : حقف، وهو الجبل المستطيل المعوج من الرمل، وكثيراً ما تحدث هذه الأحقاف في بلاد الرمل في الصحارى ؛ لأن الريح تصنع ذلك.
انتهى.
وعن علي رضي الله عنه شر وادٍ بين الناس وادي الأحقاف ووادٍ بحضرموت يدعى برهوت تلقى فيه أرواح الكفار وخير وادٍ : وادي مكة، وواد نزل به آدم بأرض الهند.
وقال : خير بئر في الناس بئر زمزم، وشر بئر في الناس بئر برهوت، كذا في "كشف الأسرار".