ويجب عليك أيضاً معرفة الأحوال والأخلاق القلبية والتحرز عن مذموماتها كالحسد والرياء والعجب والكبر وحب المال والجاه ونحو ذلك.
وتتخلق بممدوحاتها من التوكل والقناعة والرضا والتسليم واليقين ونحو ذلك، ولا بد في هذا الباب من المعلم والمرشد خصوصاً في إصلاح الباطن :
درا بحلقة روشند لان عالم خاك
كه تاز جاجه دلرا كنى ز حادثه باك
﴿فَلَمَّا رَأَوْهُ﴾ : الفاء فصيحة ؛ أي : فأتاهم العذاب الموعود به، فلما رأوه حال كونه ﴿عَارِضًا﴾ ؛ أي : سحاباً يعرض في أفق السماء، أو يبدو في عرض السماء.
﴿مُّسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ﴾ ؛ أي : متوجهاً تلقاء أوديتهم.
والإضافة فيه لفظية، ولذا وقع صفة للنكرة.
﴿قَالُوا هَـاذَا عَارِضٌ مُّمْطِرُنَا﴾ ؛ أي : يأتينا بالمطر، والإضافة فيه أيضاً لفظية.
روى أنه خرجت عليهم سحابة سوداء من وادٍ لهم، يقال له : المغيث وكانوا قد حبس عنهم المطر، فلما شاهدوها قالوا ذلك مستبشرين بها مسرورين ﴿بَلْ هُوَ﴾ ؛ أي : قال هود : ليس الأمر كذلك، بل هو ﴿مَا اسْتَعْجَلْتُم بِهِ﴾ من العذاب.
وبالفارسية :(اين نه ابر باران دهنده است بلكه او آن جيزيست كه تعجيل مزكر ريد بدان).
﴿رِيحٌ﴾ : خبر لمبتدأ محذوف ؛ أي :(حوريح).
﴿فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ صفة لريح وكذا قوله :﴿تُدَمِّرُ﴾ ؛ أي : تهلك.
﴿كُلِّ شَىْءٍ﴾ مرت به من نفوسهم وأموالهم، فالاستغراق عرفي، والمراد : المشركون منهم.
﴿بِأَمْرِ رَبِّهَا﴾ إذ لا حركة ولا سكون إلا بمشيئته
٤٨٢
تعالى.
وأضاف الرب إلى الريح مع أنه تعالى رب كل شيء لتعظيم شأن المضاف إليه.
وللإشارة إلى أنها في حركتها مأمورة، وأنها من أكابر جنود الله، يعني : ليس ذلك من باب تأثيرات الكواكب والقرانات، بل هو أمر حدت ابتداء بقدرةتعالى لأجل التعذيب.
﴿فَأَصْبَحُوا﴾ ؛ أي : صاروا من العذاب بحال ﴿لا يُرَى إِلا مَسَـاكِنُهُمْ﴾ : الفاء فصيحة ؛ أي : فجأتهم الريح فدمرتهم، فأصبحوا لا يرى إلا مساكنهم، يعني :(بس كشتند بحالى كه اكر كسى بديار ايشان رسيدى ديده نشدى مكر جايكاههاى ايشان يعني همه هلاك شدند وجايكا ايشان خالى بماند).
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٤٦١
﴿كَذَالِكَ﴾ : الكاف منصوبة على معنى مثل ذلك الجزاء الفظيع، يعني : الهلاك بعذاب الاستئصال.
﴿نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ﴾ قيل : أوحى الله تعالى إلى خزان الريح أن أرسلوا مقدار منخر البقر، فقالوا : يا رب إذاً ننسف الأرض ومن عليها، فقال تعالى مثل حلقة الخاتم، ففعلوا، فجاءت ريح بادرة من قبل المغرب، وأول ما عرفوا به أنه عذاب أن رأوا ما كان في الصحراء من رحالهم ومواشيهم تطير بها الريح بين السماء والأرض، وترفع الظعينة في الجو حتى ترى كأنها جرادة، فتدمغها بالحجارة، فدخلوا بيوتهم وأغلقوا أبوابهم، فقلعت الريح الأبواب وصرعتهم، فأمال الله الأحقاف عليهم، فكانوا تحتها سبع ليال وثمانية أيام لهم أنين، ثم كشفت الريح عنهم الأحقاف، فاحتملتم فطرحتهم في البحر.
وقد قالوا : من أشد منا قوة؟ فلا تستطيع الريح أن تزيل أقدامنا فغلبت عليهم الريح بقوتها، فما أغنت عنهم قوتهم.
وفي المثنوي :
جمله ذرات زمين وآسمان
لشكر حقندكاه امتحان
بادرا ديدى كه با عادان جه كرد
آب را ديدى كه با طوفان جه كرد
روي : أن هوداً عليه السلام لما أحس بالريح خط على نفسه وعلى المؤمنين خطاً إلى جنب عين تنبع ماء لا يصيبهم من الريح إلا ما يلين على الجلود، وتلذ الأنفس وعمر هود بعدهم مائة وخمسين سنة.
وقد مرّ تفصيل القصة في سورة الأعراف، فارجع، والآية وعيد لأهل مكة على إجرامهم بالتكذيب، فإن الله تعالى قادر على أن يرسل عليهم ريحاً مثل ريح عاد أو نحوها، فلا بد من الحذر.
وعن عائشة رضي الله عنها : كان النبي عليه السلام إذا رأى ريحاً مختلفة تلون وجهه وتغير ودخل وخرج وأقبل وأدبر، فذكرت ذلك له، فقال : وما تدرون لعله، كما قال الله تعالى : فلما رأوه عارضاً إلخ.
فإذا أمطرت سري عنه، ويقول :﴿وَهُوَ الَّذِى يُرْسِلُ الرِّيَـاحَ بُشْرَا بَيْنَ يَدَىْ رَحْمَتِهِ﴾ (النمل : ٦٣).
وفي الآية إشارة إلى أنه يعرض في سماء القلوب تارة عارض، فيمطر مطر الرحمة يحيي به الله أرض البشرية فينبت منها الأخلاق الحسنة والأعمال الصالحة، وتارة يعرض عارض ضده بسوء الأخلاق وفساد الأعمال، فتكون أشخاصهم خالية عن الخير كالأخلاق والآداب والأعمال الصالحة وقلوبهم فارغة من الصدق والإخلاص والرضا والتسليم، وهو جزاء القوم المعرضين عن الحق المقبلين على الباطل.
يقول الفقير : وفيه إشارة أيضاً إلى قوم ممكورين مقهورين يحسبون أنهم من أهل اللطف والكرم، فيأمرون برفع القباب على قبورهم بعد موتهم، أو يفعل بهم ذلك من جهة الجهلة، فصاروا بحيث لا يرى إلا القبور.
والقباب وليس فيها أحد من الأحباب، بلى من أهل العذاب، ونعم ما قالوا لا تهيىء لنفسك قبراً وهيىء نفسك للقبر نسأل الله سبحانه أن يوفقنا لما يحبه ويرضاه ويحفظنا مما يوجب أذاه، ويخالف رضاه.


الصفحة التالية
Icon