وفي الآية أيضاً تهديد وتخويف حتى لا يغفل المرء عن الله، ولا يتكل على غيره، بل يتأمل العاقبة، ويقبل الدعوة :(حق تعالى به بني إسرائيل خطاب فرمودكه شمارا بآخرت ترغيب كرديم رغبت نكرديد ودردنيا بزهد فرموديم زاهد نشديد وبا آنش ترسانيديم ترس دردل نكر فتيد وبه بهشت تشويق كرديم آرزومند نشديد برشما نوحه كردان داديم نكرستيد بشارت باد كشتكا نرا كه حق تعالى شمشير بست كه در نيام نيامد وان دار جهنم است).
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٤٦١
﴿وَتَرَى كُلَّ أُمَّةٍ جَاثِيَةًا كُلُّ أُمَّةٍ تُدْعَى إِلَى كِتَـابِهَا الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ * هَـاذَا كِتَـابُنَا يَنطِقُ عَلَيْكُم بِالْحَقِّا إِنَّا كُنَّا نَسْتَنسِخُ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ * فَأَمَّا الَّذِينَ ءَامَنُوا وَعَمِلُوا الصَّـالِحَـاتِ فَيُدْخِلُهُمْ رَبُّهُمْ فِى رَحْمَتِه ذَالِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْمُبِينُ﴾.
﴿وَإِذْ صَرَفْنَآ إِلَيْكَ نَفَرًا مِّنَ الْجِنِّ﴾ : أملناهم إليك وأقبلنا بهم نحوك والنفر دون العشرة وجمعه أنفار.
قال الراغب : النفر عدة رجال يمكنهم النفر ؛ أي : إلى الحرب ونحوها والجن بعض الروحانيين.
وذلك أن الروحانيين ثلاثة أخيار : وهم الملائكة وأشرارهم، وهم الشياطين وأوساط فيهم أخيار وأشرار وهم الجن.
قال سعيد بن المسيب : الملائكة ليسوا بذكور ولا إناث، ولا يتوالدون ولا يأكلون ولا يشربون.
والشياطين ذكور وإناث يتوالدون ولا يموتون، بل يخلدون في الدنيا كما خلد إبليس.
والجن يتوالدون، وفيهم ذكور وإناث ويموتون.
يقول الفقير : يؤيده ما ثبت أن في الجن مذاهب مختلفة كالإنس حتى الرافضي ونحوه، وإن بينهم حروباً وقتالاً، ولكن يشكل قولهم : إبليس هو أبو الجن، فإنه يقتضي أن لا يكون بينهم وبين الشياطين فرق إلا بالإيمان والكفر فاعرف.
﴿يَسْتَمِعُونَ الْقُرْءَانَ﴾ : حال مقدرة من نفراً لتخصيصه بالصفة، أو صفة أخرى له ؛ أي : واذكر لقومك وقت صرفنا إليك نفراً كائناً من الجن مقدراً استماعهم القرآن.
﴿فَلَمَّا حَضَرُوهُ﴾ ؛ أي : القرآن عند تلاوته.
﴿قَالُوا﴾ : أي قال بعضهم لبعض.
﴿أَنصِتُوا﴾ : الإنصات هو الاستماع إلى الصوت مع ترك الكلام ؛ أي : اسكتوا لسمعه.
وفيه إشارة إلى أن من شأنهم فضول الكلام واللغط كالإنس ورمز إلى الحرص المقبول.
قال بعض العارفين : هيبة الخطاب وحشمة المشاهدة حبست ألسنتهم، فإنه ليس
٤٨٦
في مقام الحضرة إلا الخمول والذبول.
﴿فَلَمَّا قَضَى﴾ : أتم وفرغ من تلاوته.
﴿وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِم مُّنذِرِينَ﴾ انصرفوا إلى قومهم مقدرين إنذارهم عند رجوعهم إليه، يعني : آمنوا به، وأجابوا إلى ما سمعوا ورجعوا إلى قومهم منذرين، ولا يلزم من رجوعهم بهذه الصفة أن يكونوا رسل رسول الله عليه السلام إذ يجوز أن يكون الرجل نذيراً، ولا يكون نبياً أو رسولاً من جانب أحد، فالنذارة في الجن من غير نبوة.
وقد سبق بقية الكلام في سورة الأنعام عند قوله تعالى : يا معشر الجن والإنس، الآية.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٤٦١
روي : أن الجن كانت تسترق السمع، فلما حرست السماء ورجموا بالشهب، قالوا : ما هذا إلا لنبأ حدث، فنهض سبعة نفر أو ستة نفر من أشراف جن نصيبين ورؤسائهم.
ونصيبين : بلد قاعدة ديار ربيعة، كما في "القاموس".
وقال في "إنسان العيون" : هي مدينة بالشام.
وقيل : باليمن.
أثنى عليها رسول الله عليه السلام بقوله :"رفعت إلى نصيبين حتى رأيتها، فدعوت الله أن يعذب نهرها وينضر شجرها ويكثر مطرها".
وقيل : كانوا من ملوك جن نينوى بالموصل وأسماؤهم على ما في "عين المعاني" :(شاصر ناصر دس مس از دادنان احقم وكفته اندنه عدد بود وهشتم عمرو ونهم سرف وزوبعة بفتح الزاي المعجمة، والباء الموحدة از ايشان بوده واوبسر ابليس است).
وقال في "القاموس" : الزوبعة : اسم شيطان، أو رئيس الجن، فتكون الأسماء عشرة، لكن الأحقم بالميم أو الإحقب بالباء وصف لواحد منهم لا علم.
وقال ابن عباس رضي الله عنهما :(تسعة سليط شاصر ماصر حاصر حسا مسا عليم ارقم ادرس)، فضربوا في الأرض حتى بلغوا تهامة، وهي بالكسر مكة شرفها الله تعالى، وأرض معروفة لا بلد، كما في "القاموس" : ثم اندفعوا إلى وادي نخلة عند سوق مكة شرفها الله تعالى، وأرض معروفة لا بلد، كما في "القاموس"، ثم اندفعوا إلى وادي نخلة عند سوق عكاظ، ونخلة محلة بين مكة والطائف، ونخلة الشامية واليمانية واديان على ليلة من مكة وعكاظ، كغراب سوق بصحراء بين نخلة والطائف كانت تقوم هلال ذي القعدة، وتستمر عشرين يوماً تجتمع قبائل العرب قيتعاكظون ؛ أي : يتفاخرون ويتناشدون، ومنه : الأديم العكاظي، فوافوا ؛ أي : نفر الجن رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم ؛ أي : صادفوه ووجدوه، وهو قائم في جوف الليل يصلي ؛ أي : في وسطه، وكان وحده أو معه مولاه زيد بن حارثة رضي الله عنه.