وفي الحديث :"ألا أخبركم عني وعن ملائكة ربي البارحة حفوا بي عند رأسي وعند رجلي وعن يميني وعن يساري"، فقالوا : يا محمد تنام عينك ولا ينام قلبك، فلتعقل ما نقول، فقال بعضهم لبعض : اضربوا لمحمد مثلاً، قال قائل : مثله كمثل رجل بنى داراً وبعث داعياً يدعو، فمن أجاب الداعي دخل الدار وأكل مما فيها، ومن لم يجب الداعي لم يدخل الدار، ولم يأكل مما فيها وسخط السيد عليه، ومحمد الداعي، فمن أجاب محمداً دخل الجنة، ومن لم يجب محمداً لم يدخل الجنة، ولم يأكل مما فيها، ويسخط السيد عليه.
وفي الآية دليل بيّن على أنه عليه السلام مبعوث إلى الجن والإنس جميعاً، ولم يبعث قبله نبي إليهما وأما سليمان عليه السلام، فلم يبعث إلى الجن، بل سخروا له.
وفي "فتح الرحمن" : ولم يرسل عليه السلام إلى الملائكة صرح به البيهقي في الباب الرابع من "شعب الإيمان".
وصرح في الباب الخامس عشر بانفكاكهم من شرعه.
وفي "تفسير الإمام الرازي"، و"البرهان النسفي" حكاية الإجماع.
قال ابن حامد : من أصحاب أحمد : ومذهب العلماء إخراج الملائكة عن التكليف والوعد والوعيد، وهم معصومون كالأنبياء بالاتفاق إلا من استثني كإبليس وهاروت وماروت على القول بأنهم من الملائكة.
انتهى.
وفي الحديث :"أرسلت إلى الخلق كافة" والخلق يشمل الإنس والجن والملك والحيوانات والنبات والحجر.
قال الجلال السيوطي : وهذا القول ؛ أي : إرساله للملائكة رجحته في كتاب "الخصائص" وقد رحجه قبلي الشيخ تقي الدين السبكي، وزاد أنه مرسل لجميع الأنبياء والأمم السابقة من لدن آدم إلى قيام الساعة، ورجحه أيضاً البارزي، وزاد أنه مرسل إلى جميع الحيوانات والجمادات، وأزيد على ذلك أنه مرسل لنفسه.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٤٦١
يقول الفقير : اختلف أهل الحديث في شأن الملائكة، هل هم من الصحابة أو لا؟ فقال البلقيني : ليسوا داخلين في الصحابة، وظاهر كلامهم كالإمام الرازي أنهم داخلون، ففيه أن الإمام كيف يعد الملائكة من الصحابة؟ وقد حكي الإجماع على عدم الإرسال وبعيد أن يكونوا من صحابته وأمته عليه السلام من غير أن يرسل إليهم.
واختلف في حكم مؤمني الجن، فقيل : لا ثواب لهم إلا النجاة من النار لقوله تعالى :﴿يَغْفِرْ لَكُم مِّن ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُم مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ﴾ (الأحقاف : ٣١) حيث صرح باقتصارهم على المغفرة والإجارة.
وبه قال الحسن البصري رحمه الله حيث قال : ثوابهم أن يجاروا من النار، ثم يقال لهم : كونوا تراباً مثل البهائم.
قال الإمام النسفي في "التيسير" توقف أبو حنيفة في ثواب الجن ونعيمهم.
وقال : لا استحقاق للعبد على الله، وءنما ينال بالوعد ولا وعد في حق الجن إلا المغفرة والإجارة، فهذا يقطع القول به، وأما نعيم الجنة، فموقوف على قيام الدليل.
انتهى.
قال سعدي المفتي : وبهذا تبين
٤٩٠
أن أبا حنيفة متوقف لا جازم بأنه لا ثواب لهم، كما زعم البيضاوي، يعني أن المروي عن أبي حنيفة أنه توقف في كيفية ثوابهم لا أنه قال : لا ثواب لهم.
وذلك أن في الجن مسلمين ويهوداً ونصارى ومجوساً وعبدة أوثان، فلمسلميهم ثواب لا محالة، وإن لم نعلم كيفيته، كما أن الملائكة لا يجازون بالجنة، بل بنعيم يناسبهم على أصح قول العلماء، وأما رؤوية الله تعالى، فلا يراه الملائكة والجن في رواية كما في "إنسان العيون".
والظاهر أن رؤيتهم من وادٍ ورؤية لبشر من وادٍ، فمن نفى الرؤية عنهم نفاها بهذا المعنى، وإلا فالملائكة أهل حضور وشهود، فكيف لا يرونه، وكذا مؤمنو الجن وإن كانت معرفتهم دون معرفة الكمل من البشر على ما صرح به بعض العلماء.
وفي "البزازية" : ذكر في التفاسير توقف الإمام الأعظم في ثواب الجن ؛ لأنه جاء في القرآن فيهم يغفر لكم من ذنوبكم، والمغفرة لا تستلزم الإثابة.
قالت المعتزلة : أوعد لظالميهم، فيستحق الثواب صالحوهم.
قال الله تعالى :﴿وَأَمَّا الْقَـاسِطُونَ فَكَانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَبًا﴾ (الجن : ١٥)، قلنا : الثواب فضل من الله تعالى لا بالاستحقاق، فإن قيل قوله تعالى :﴿فَبِأَىِّ ءَالاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ﴾ (الرحمن : ٥٧) بعد عد نعم الجنة خطاب للثقلين، فيرد ما ذكرتم، قلنا : ذكر أن المراد منه التوقف في المآكل والمشارب والملاذ، والدخول فيه كدخول الملائكة للسلام والزيارة والخدمة والملائكة يدخلون عليهم من كل باب الآية، انتهى.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٤٦١
والصحيح كما في "بحر العلوم" : والأظهر كما في "الإرشاد" : أن الجن في حكم بني آدم ثواباً وعقاباً لأنهم مكلفون مثلهم، ويدل عليه قوله تعالى في هذه السورة لكل درجات مما عملوا، والاقتصار ؛ لأن مقصودهم الإنذار، ففيه تذكير بذنوبهم :(واز حمزة بن حبيب رحمه الله برسيدندكه مؤمنان جن را ثواب هست فرمودكه آرى وآيت لم يطمثهن أنس قبلهم ولا جان بخواند وكفت الانسيات للإنس والجنيات للجن).
فدل على تأني الطمث من الجن ؛ لأن طمث الحور العين إنما يكون في الجنة.