قال موسى عليه السلام : يا رب فأي عبادك أعجز، قال : الذي يطلب الجنة بلا عمل والرزق بلا دعاء، قال : وأي عبادك أبخل، قال : الذي يسأله سائل، وهو يقدر على إطعامه، ولم يطعمه والذي يبخل بالسلام على أخيه :
٤٩٧
كويند باز كشت بخيلان بود بخاك
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٤٩٦
حاشا كه هيج خاك بذيرد بخيل را
يقول الفقير : مجرد الإنفاق والإطعام لا يعتبر إلا إذا كان مقارناً بالخلوص، وطلب الرضا ألا ترى أن قريشاً أطعموا الكفار في وقعة بدر، فعاد إنفاقهم خيبة وخساراً ؛ لأنه كان في طريق الشيطان لا في طريق الله تعالى، فأحبط أعمالهم، وكذا مجرد الإمساك لا يعد بخلاً إلا إذا كان ذلك إمساكاً عن المستحق ألا ترى كيف قال الله تعالى :﴿وَلا تُؤْتُوا السُّفَهَآءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِى جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَـامًا﴾ (النساء : ٥)، فحذرهم في غير محل الإسراف، ولا سرف في الخير، ثم إن أعمال المبتدعة باطلة أيضاً ؛ لأنها على زيغ وانحراف عن سننها، وإن كانوا يحسبون أنهم يحسنون صنعاً، فالكفر والبدعة والمعاصي أقبح الأشياء، كما أن الإيمان والسنة والطاعة أحسن الأشياء.
(بشر حافى قدس سره كفت رسول الله را عليه السلام بخواب ديدم مرا كفت اى بشر هيج دانى كه جرا خداى تعالى ترا بر كزيد ازميان اقران وبلند كردانيد كفتم نه يا رسول الله كفت بسبب آنكه متابعت سنت من كردى وصالحا نرا حرمت نكاه داشتى وبرادرانر نصيحت كردى وأصحاب وأهل بيت مرا دوست داشتى حق تعالى ترابدين سبب بمقام ابرار رسانيد).
ثم إن طريق اتباع الحق إنما يتيسر باتباع أهل الحق، فإنهم ورثة النبي صلى الله عليه وسلّم في التحقق بالحق والإرشاد إليه، فمن اتبع أهل الحق اهتدى، ومن اتبع أهل الباطل ضل، فالأول أهل جمال الله تعالى والملك خادمه.
والثاني : أهل جلال الله تعالى، والشيطان سادنه، فعلى العاقل الرجوع إلى الحق وصحبة أهله، كما قال تعالى :﴿وَكُونُوا مَعَ الصَّـادِقِينَ﴾ (التوبة : ١١٩).
نسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعلنا من الذين يخدمون الحق بالحق، ويعصمنا من البطالة والبطلان والزيغ المطلق إنه هو الحق الباقي وإليه التلاقي.
﴿فَإِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ : اللقاء :(ديدن وكار زار كردن ورسيدن).
قال الراغب : اللقاء : يقال في الإدراك بالحس بالبصر والبصيرة ؛ أي : فإذا كان الأمر كما ذكر من ضلال أعمال الكفرة وخيبتهم وصلاح أحوال المؤمنين وفلاحهم، فإذا لقيتموهم في المحاربة يا معشر المسلمين.
﴿فَضَرْبَ الرِّقَابِ﴾ أصله : فاضربوا الرقاب ضرباً، فحذف الفعل وقدم المصدر وأنيب منابه مضافاً ءلى المفعول والألف واللام بدل من الإضافة ؛ أي : فاضربوا رقابهم بالسيف.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٤٩٦
والمراد : فاقتلوهم، وإنما عبر عن القتل بضرب الرقاب تصويراً له بأشنع صورة، وهو جز الرقبة وإطارة العضو الذي هو رأس البدن وعلوه وأوجه أعضائه، وإرشاداً للغزاة إلى أيسر ما يكون منه.
وفي الحديث :"أنا لم أبعث لأعذب بعذاب الله وإنما بعثت بضرب الرقاب وشد الوثاق".
﴿حَتَّى إِذَآ أَثْخَنتُمُوهُمْ﴾.
قال في "الكشاف" : الإثخان كثرة القتل، والمبالغة فيه من قولهم : أثخنته الجراحات إذا أثبتته حتى تثقل عليه الحركة وأثخنه المرض إذا أثقله من الثخانة التي هي الغلظ والكثافة.
وفي "المفردات" يقال : ثخن الشيء فهو ثخين إذا غلظ، ولم يستمر في ذهابه، ومنه استعير قولهم : أثخنته ضرباًواستخفافاً.
والمعنى حتى إذا أكثرتم قتلهم وأغلظتموه على حذف المضاف أو أثقلتموهم بالقتل والجراح حتى أذهبتم عنهم النهوض.
﴿فَشُدُّوا الْوَثَاقَ﴾ : الوثاق بالفتح والكسر اسم ما يوثق به ويشد من القيد.
قال في "الوسيط" : الوثاق اسم من الإيثاق، يقال : أوثقه إيثاقاً إذا شد أسره كيلا يفلت.
فالمعنى : فأسروهم واحفظوهم.
وبالفارسية :(بس استوار كنيد بندرا يعنى
٤٩٨
بكيريد ايشانرا باسيرى وبند كنيد محكم تابكر يزيد).
وقال أبو الليث : يعني إذا قهرتموهم وأسرتموهم فاستوثقوا أيديهم من خلفهم كيلا يفلتوا، والأسر يكون بعد المبالغة في القتل.
﴿فَإِمَّا مَنَّا﴾ ؛ أي : تمنون مناً، وهو أن يترك الأمير الأسير الكافر من غير أن يأخذ منه شيئاً ﴿بَعْدَ﴾ ؛ أي : بعد شد الوثاق.
﴿وَإِمَّا فِدَآءً﴾ ؛ أي : تفدون فداء هو أن يترك الأمير الأسير الكافر، ويأخذ مالاً أو أسيراً مسلماً في مقابلته.
يقال : فداه يفديه فدى وفداء وافتداه وفاداه : أعطى شيئاً، فأنقذه.
والفداء : ذلك المعطى، ويقصر كما في "القاموس".