وقال الراغب : الفدى والفداء حفظ الإنسان عن النائبة بما يبذله عنه، كما يقال : فديته بمالي وفديته بنفسي، وفاديته بكذا.
انتهى.
قال الشيخ الرضي : المطلوب من شد الوثاق إما قتل أو استرقاق، أو من أو فداء، فالإمام يتخير في الأسارى البالغين من الكفار بين هذه الخصال الأربع، وهذا التخيير ثابت عند الشافعي، ومنسوخ عندنا بقوله تعالى :﴿فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ﴾ (التوبة : ٥) قالوا : نزل ذلك يوم بدر، ثم نسخ، والحكم إما القتل أو الاسترقاق.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٤٩٦
قال في "الدرر" : وحرم منهم فداؤهم وردهم إلى دارهم ؛ لأن رد الأسير إلى دار الحرب تقوية لهم على المسلمين في الحرب، فيكره كما يكره بيع السلاح لهم.
وفي المن خلاف الشافعي، وأما الفداء، فقبل الفراغ من الحرب جاز بالمال لا بالأسير المسلم، وبعده لا يجوز بالمال عند علمائنا، وبالنفس عند أبي حنيفة، ويجوز عند محمد وعن أبي يوسف روايتان، وعن مجاهد : ليس اليوم من ولا فداء إنما الإسلام أو ضرب العنق.
وعن الصديق رضي الله عنه : لا أفادي وإن طلبوا بمدين من ذهب، وكتب إليه في أسير التمسوا منه الفداء، فقال : اقتلوه ؛ لأن أقتل رجلاً من المشركين أحب إليّ من كذا، وقد قتل عليه السلام يوم فتح مكة ابن الأخطل، وهو متعلق بأستار الكعبة بعدما وقع في منعة المسلمين، فهو كالأسير.
﴿حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا﴾ أوزار الحرب : آلاتها وأثقالها التي لا تقوم إلا بها من السلاح والكراع، يعني الخيل أسند وضعها إليها، وهو لأهلها إسناداً مجازياً وأصل الوزر بالكسر : الثقل وما يحمله الإنسان، فمسى الأسلحة أوزاراً ؛ لأنه تحمل، فيكون جعل مثل الكراع من الأوزار من التغليب وحتى غاية عند الشافعي لأحد الأمور الأربعة، أو للمجموع.
والمعنى : أنهم لا يتركون على ذلك أبداً إلى أن لا يكون مع المشركين حرب بأن لا يبقى لهم شوكة، وأما عند أبي حنيفة، فإنه حمل الحرب على حرب بدر، فهي غاية للمن والفداء.
والمعنى : يمن عليهم ويفادون حتى تضع حرب بدر أوزارها، وتنقضي وإن حملت على الجنس، فهي غاية للضرب والشد.
والمعنى : أنهم يقتلون ويؤسرون حتى يضع جنس الحرب أوزارها بأن لا يبقى للمشركين شوكة.
وقال الكاشفي :(تابنهد اهل حرب سلاح حرب را يعنى دين اسلام بهمه جار سد وحكم قتال نماند وآن نزديك نزول عيسى عليه السلام خواهد بود جه در خبر آمده كه آخر قتال امت من بادجال است).
فما دام الكفر فالحرب قائمة أبداً ﴿ذَالِكَ﴾، أي : الأمر ذلك أو افعلوا ذلك ﴿وَلَوْ يَشَآءُ اللَّهُ﴾ لو للمضي وإن دخل على المستقبل ﴿انتَصَرَ مِنْهُمْ﴾ : لانتقم منهم بغير قتال بأن يكون ببعض أسباب الهلكة والاستئصال من خسف أو رجفة أو حاصب أو غرق أو موت ذريع ونحو ذلك.
ويجوز أن يكون الانتقام بالملائكة بصيحتهم أو بصرعهم أو بقتالهم من حيث لا يراهم الكفار، كما وقع
٤٩٩
في بدر ﴿وَلَـاكِنِ﴾ لم يشأ ذلك :(تابيازمايد).
﴿بَعْضَكُم بِبَعْضٍ﴾ فأمركم بالقتال وبلاكم بالكافرين لتجاهدوهم فتستوجبوا الثواب العظيم بموجب الوعد، والكافرين بكم ليعاجلهم على أيديكم ببعض عذابهم كي يرتدع بعضهم عن الكفر.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٤٩٦
وفي الآية إشارة إلى كافر النفس حيثما وجدتموه، وهو يمد رأسه إلى مشرب من مشارب الدنيا ونعيمها، فاضربوا عنق ذلك الرأس وادفعوه عن ذلك المشرب حتى إذا غلبتموهم ؛ أي : النفوس وسخرتموهم، فشدوهم بوثاق أركان الشريعة وآداب الطريقة، فإنه بهذين الجناحين يطير صاحب الهمم العلية إلى عالم الحقيقة، فإما مناً على النفوس بعد الوصول بترك المجاهدة، وإما فداء بكثرة العبادة عوضاً عن ترك المجاهدة بعد الظفر بالنفوس، وأما قتل النفوس بسيف المخالفة، فإنه في مذهب أرباب الطلب يجوز كل ذلك بحسب نظر كل مجتهد، فإن كل مجتهد منهم مصيب.
وذلك إلى أن يجد الطالب المطلوب، ويصل العاشق إلى المعشوق، بأن جرى على النفس بعد الظفر بها مسامحة في إغفاء ساعة وإفطار يوم ترويحاً للنفس من الكد وإجماعاً للحواس قوة لها على الباطل، فيما يستقبل من الأمر، فذلك على ما يحصل به استصواب من شيخ المريد، أو فتوى، أو فراسة صاحب الوقت، ولو شاء الله لقهر النفوس بتجلي صفات الجلال بغير سعي المجاهد في القتال، ولكن إلخ.
﴿وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِى سَبِيلِ اللَّهِ﴾ ؛ أي : استشهدوا يوم بدر ويوم أحد وسائر الحروب.
﴿فَلَن يُضِلَّ أَعْمَـالَهُمْ﴾ ؛ أي : فلن يضيعها بل يثيب عليها.


الصفحة التالية
Icon