﴿قُلْ أَرَءَيْتُم مَّا تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ أَرُونِى مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الارْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِى السَّمَـاوَاتِا ائْتُونِى بِكِتَـابٍ مِّن قَبْلِ هَـاذَآ أَوْ أَثَـارَةٍ مِّنْ عِلْمٍ إِن كُنتُمْ صَـادِقِينَ * وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّن يَدْعُوا مِن دُونِ اللَّهِ مَن لا يَسْتَجِيبُ لَه إِلَى يَوْمِ الْقِيَـامَةِ وَهُمْ عَن دُعَآاـاِهِمْ غَـافِلُونَ * وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُوا لَهُمْ أَعْدَآءً وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ كَـافِرِينَ * وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ ءَايَـاتُنَا بَيِّنَـاتٍ قَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلْحَقِّ لَمَّا جَآءَهُمْ هَـاذَا سِحْرٌ مُّبِينٌ﴾.
﴿سَيَهْدِيهِمْ﴾ في الدنيا إلى أرشد الأمور، وفي الآخرة إلى الثواب.
وعن الحسن بن زياد يهديهم إلى طريق الثواب في جواب منكر ونكير، وفيه أن أهل الشهادة لا يسألون ﴿وَيُصْلِحُ بَالَهُمْ﴾ ؛ أي : شأنهم وحالهم بالعصمة والتوفيق، والظاهر أن السين للتأكيد، والمعنى : يهديهم الله البتة إلى مقاصدهم الأخروية، ويصلح شأنهم بإرضاء خصمائهم لكرامتهم على الله بالجهاد والشهادة.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٤٩٦
﴿وَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ عَرَّفَهَا لَهُمْ﴾ : الجملة مستأنفة ؛ أي : عرفها لهم في الدنيا بذكر أوصافها بحيث اشتاقوا إليها، أو بينها لهم بحيث يعلم كل أحد منزله ويهتدي إليه، كأنه كان ساكنه منذ خلق.
وفي الحديث :"لأحدكم بمنزله في الجنة أعرف منه بمنزله في الدنيا".
وفي "المفردات" : عرفه جعل له عرفاً ؛ أي : رائحة طيبة، فالمعنى زينها لهم وطيبها.
وقال بعضهم : حددها لهم وأفرزها من عرف الدار، فجنة كل منهم محددة مفرزة، ومن فضائل الشهداء أنه ليس أحد يدخل الجنة، ويحب أن يخرج منها، ولو أعطي ما في الدنيا جميعاً إلا الشهيد، فإنه يتمنى أن يرده الله إلى الدنيا مراراً، فيقتل في سبيل الله، كما قتل أولاً، لما يرى من عظيم كرامة الشهداء على الله تعالى، ومن فضائلهم أن الشهادة في سبيل الله تكفر ما على العبد من الذنوب التي بينه وبين الله تعالى.
وفي الحديث :"يغفر للشهيد كل شيء إلا الدين".
والمراد بالدين : كل ما كان من حقوق الآدميين كالغصب وأخذ المال بالباطل، وقتل العمد، والجراحة وغير ذلك من التبعات، وكذلك الغيبة والنميمة والسخرية، وما أشبه ذلك، فإن هذه الحقوق كلها لا بد من استيفائها لمستحقها.
وقال القرطبي : الدين الذي يحبس صاحبه عن الجنة هو الذي قد ترك له وفاء، ولم يوص به أو قدر على الأداء، فلم يؤده، أو أدانه على سفه أو سرف ومات، ولم يوفه وأما من أدان في حق واجب كفاقة وعسر، ومات ولم يترك وفاء، فإن الله
٥٠٠
لا يحبسه عن الجنة شهيداً كان أو غيره ويقضي عنه ويرضي خصمه، كما قال عليه السلام :"من أخذ أموال الناس يريد أداءها أدى الله عنه، ومن أخذها يريد إتلافها أتلفه الله".
وفي الآية حث على الجهادين الأصغر والأكبر.
ومن قتله العدو الظاهر صار شهيداً، ومن قتله العدو الباطن، وهو النفس صار طريداً كما قيل :
وآنكه كشت كافران باشد شهيد
كشته نفس است نزد حق طريد
نسأل الله العون على محاربة النفس الأمارة والشيطان.
يا اأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا إِن تَنصُرُوا اللَّهَ} ؛ أي : دينه ورسوله ﴿يَنصُرْكُمُ﴾ على أعدائكم ويفتح لكم.
﴿وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ﴾ في مواطن الحرب ومواقفها أو على حجة الإسلام.
واعلم أن النصرة على وجهين :
الأول : نصرة العبد، وذلك بإيضاح دلائل الدين وإزالة شبهة القاصرين وشرح أحكامه، وفرائضه وسننه وحلاله وحرامه، والعمل بها، ثم بالغزو والجهاد لإعلاء كلمة الله وقمع أعداء الدين، إما حقيقة كمباشرة المحاربة بنفسه، وإما حكماً بتكثير سواد المجاهدين بالوقوف تحت لوائهم، أو بالدعاء لنصرة المسلمين وخذلان الكافرين، بل يقول : اللهم انصر من نصر الدين واخذل من خذل المسلمين، ثم بالجهاد الأكبر بأن يكون عوناًعلى النفس حتى يصرعها ويقتلها، فلا يبقى من هواها أثر.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٤٩٦
والثاني : نصرة الله تعالى، وذلك بإرسال الرسل وإنزال الكتب وإظهار الآيات والمعجزات وتبيين السبل إلى النعيم والجحيم، وحضرة الكريم والأمر بالجهاد الأصغر والأكبر والتوفيق للسعي فيهما طلباً لرضاه لا تبعاً لهواه وبإظهاره على أعداء الدين وقهرهم في إعلاء كلمة الله العليا، وإيتاء رشده في إفناء وجوده الفاني في الوجود الباقي بتجلي صفات جماله وجلاله.
قال بعض الكبار : زلل الأقدام بثلاثة أشياء : بشرك الشرك لمواهب الله، والخوف من غير الله، والأمل في غيره، وثبات الأقدام بثلاثة أشياء : بدوام رؤية المفضل والشكر على النعم، ورؤية التقصير في جميع الأحوال، والخوف منه والسكون إلى ضمان الله فيما ضمن من غير انزعاج، ولا احتياج، فعلى العاقل نصرة الدين على مقتضى العهد المتين.
قال الحافظ :
بيمان شكن هرآينه كردد شكسته حال
إن العهود لدى أهل النهى ذمم