﴿ذَالِكَ﴾ إشارة إلى ثبوت أمثال عقوبة الأمم السابقة لهؤلاء.
وقال بعضهم : ذلك المذكور من كون المؤمنين منصورين مظفرين ومن كون الكافرين مقهورين مدمرين.
﴿بِأَنَّ اللَّهَ﴾ ؛ أي : بسبب أنه تعالى :﴿مَوْلَى الَّذِينَ ءَامَنُوا﴾ ؛ أي : ناصر لهم على أعدائهم في الظاهر والباطن بسبب إيمانهم ﴿وَأَنَّ الْكَـافِرِينَ﴾ ؛ أي : بسبب أنهم ﴿لا مَوْلَى لَهُمْ﴾ ؛ أي : لا ناصر لهم، فيدفع عنهم العذاب الحال بسبب كفرهم، فالمراد ولاية النصرة لا ولاية العبودية، فإن الخلق كلهم عباده تعالى، كما قال :﴿ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلَـاـاهُمُ الْحَقِّ﴾ () ؛ أي : مالكهم الحق وخالقهم، أو المعنى لا مولى لهم في اعتقادهم حيث يعبدون الأصنام، وإن كان مولاهم الحق تعالى في نفس الأمر، ويقال : أرجى آية في القرآن هذه الآية ؛ لأن الله تعالى، قال : مولى الذين آمنوا، ولم يقل مولى الزهاد والعباد وأصحاب الأوراد والاجتهاد، والمؤمن، وإن كان عاصياً، فهو من جملة الذين آمنوا.
ذكره القشيري قدس سره.
واعلم أن الجند جندان جند الدعاء وجند الوغى، فكما أن جند الوغى منصورون بسبب أقويائهم في باب الديانة والتقوى، ولا يكونون محرومين من ألطاف الله تعالى، كذلك جند الدعاء مستجابون بسبب ضعفائهم في باب الدنيا، وظاهر الحال، ولا يكونون مطرودين عن باب الله، كما قال عليه السلام :"إنكم تنصرون بضعفائكم".
قال الشيخ سعدي :(دعاء ضعيفان أميدوار.
زبازوى مردى به آيد بكار).
ثم اعلم أن الله تعالى هو الموجود الحقيقي، وما سواه معدوم بالنسبة إلى وجوده الواجب، فالكفار لا يعبدون إلا المعدوم كالأصنام والطاغوت، فلذا لا ينصرون، والمؤمنون يعبدون الموجود الحقيقي، وهو الله تعالى، فلذا ينصرهم في الشدائد، وأيضاً إن الكفار يستندون إلى الحصون والسلاح والمؤمنون يتوكلون على القادر القوي الفتاح، فالله معينهم على كل
٥٠٢
حال.
روي : أن النبي عليه السلام كان بعد غزوة تحت شجرة وحيداً، فحمل عليه مشرك بسيف، وقال : من يخلصك مني، فقال النبي عليه السلام :"الله"، فسقط المشرك والسيف، فأخذه النبي عليه السلام، فقال :"من يخلصك مني"؟ فقال : لا أحد، ثم أسلم".
وروي : أن زيد بن ثابت رضي الله عنه خرج مع رجل من مكة إلى الطائف، ولم يعلم أنه منافق، فدخلا خربة وناما، فأوثق المنافق يد زيد وأراد قتله، فقال زيد : يا رحمن أعني، فسمع المنافق قائلاً، يقول : ويحك لا تقتله، فخرج المنافق، ولم ير أحداً، ثم وثم، ففي الثالثة قتله فارس، ثم حل وثاقه.
وقال : أنا جبريل كنت في السماء السابعة حين دعوت الله فقال الله تعالى : أدرك عبدي فالله ولي الذين آمنوا قال الله تعالى في التوراة في حق هذه الأمة لا يحضرون قتالاً إلا وجبريل معهم، وهو يدل على أن جبريل يحضر كل قتال صدر من الصحابة للكفار، بل ظاهره كل قتال صدر من جميع الأمة، يعني إذا كانوا على الحق والعدل، ثم إن المجلس الذي تحضره الملائكة، وكذا المعركة يقشعر فيه الجلد، وتذرف فيه العينان، ويحصل التوجه إلى الحضرة العليا، فيكون ذلك سبباً لاستجابة الدعاء، وحصول المقصود من النصرة وغيرها.
نسأل الله المعين أن يجعلنا من المنصورين آمين.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٤٩٦
﴿وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ ءَامَنُوا لَوْ كَانَ خَيْرًا مَّا سَبَقُونَآ إِلَيْه وَإِذْ لَمْ يَهْتَدُوا بِه فَسَيَقُولُونَ هَـاذَآ إِفْكٌ قَدِيمٌ * وَمِن قَبْلِه كِتَـابُ مُوسَى إِمَامًا وَرَحْمَةًا وَهَـاذَا كِتَـابٌ مُّصَدِّقٌ لِّسَانًا عَرَبِيًّا لِّيُنذِرَ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَبُشْرَى لِلْمُحْسِنِينَ * إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَـامُوا فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ﴾.
﴿إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ ءَامَنُوا وَعَمِلُوا الصَّـالِحَـاتِ جَنَّـاتٍ تَجْرِى مِن تَحْتِهَا الانْهَـارُ﴾ بيان لحكم ولايته تعالى للمؤمنين وثمرتها الأخروية.
﴿وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ﴾ ؛ أي : ينتفعون في الدنيا بمتاعها أياماً قلائل ويعيشون ﴿وَيَأْكُلُونَ﴾ حريصين غافلين عن عواقبهم ﴿كَمَا تَأْكُلُ الانْعَـامُ﴾ في مسارحها ومعالفها غافلة عما هي بصدده من النحر والذبح والأنعام.
جمع نعم بفتحتين، وهي الإبل والبقر والضأن والمعز.
﴿وَالنَّارُ مَثْوًى لَّهُمْ﴾ ؛ أي : منزل ثواء وإقامة، والجملة إما حال مقدرة من واو يأكلون أو استئناف، فإن قلت : كيف التقابل بينه وبين قوله : إن الله يدخل، إلخ.
قلت : الآية والله أعلم من قبيل الاحتباك ذكر الأعمال الصالحة، ودخول الجنة أولاً دليلاً على حذف الفاسدة ودخول النار ثانياً، والتمتع والمثوى ثانياً، دليلاً على حذف التمتع والمأوى أولاً.


الصفحة التالية
Icon