قال القشيري : الأنعام تأكل بلا تمييز من أي موضع وجد كذلك الكافر لا تمييز له أمن الحلال وجد أم من الحرام؟، وكذلك الأنعام ليس لها وقت، بل في كل وقت تقتات وتأكل كذلك الكافر أكول، كما قال عليه السلام :"الكافر يأكل في سبعة أمعاء، والمؤمن يأكل في معي واحد"، والأنعام تأكل على الغفلة فمن كان في حالة أكله ناسياً لربه فأكله كأكل الأنعام.
قال الحدادي : الفرق بين أكل المؤمن والكافر، أن المؤمن لا يخلو أكله عن ثلاث الورع عند الطلب واستعمال الأدب والأكل للسبب، والكافر يطلب للنهمة ويأكل للشهوة وعيشه في غفلة.
وقيل : المؤمن يتزود، والمنافق يتزين ويتريد الكافر يتمتع ويتمنع.
وقيل : من كانت همته ما يأكل فقيمته ما يخرج منه.
قال الكاشفي : في الآية يعني :(همت ايشان مصرو فست بخوردن وعاقل بايدكه خوردن اوبراى زيستن باشد يعنى بجهت قوام بدن وتقويت قواى نفسانى طعام خورد ونظر اوبرانكه بدن تحمل طاعت داشته باشد وقوتهاى نفسانى در استدلال بقدرت ربانى ممد ومعان بودنه آنكه عمر خود طفيل خوردن شناسد ودر مرعاى ذرهم يأكلوا ويتمتعوا مانند جهار بايان جز خوردن وخواب مطمح نظرش نباشد ونعم ما قيل.
خوردن براى زيستن وذكر
٥٠٣
دنست.
تو معتقد كه زيستن از بهر خوردنست).
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٤٩٦
والحاصل ليس للذين كفروا هم إلا بطونهم وفروجهم، ولا يلتفتون إلى جانب الآخرة فهم قد أضاعوا أيامهم بالكفر والآثام وأكلوا وشربوا في الدنيا كالأنعام، وأما المؤمنون فقد جاهدوا في الله بالطاعات، واشتغلوا بالرياضيات والمجاهدات، فلا جرم أحسن الله إليهم بالجنات العاليات، ومن هنا يظهر سر قوله عليه السلام الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر، فلما عرف المؤمن أن الدنيا سجن ونعيمها زائل حبس نفسه على طاعة الله، فكان عاقبته الجنات والنعيم الباقي، ولما كان الكافر منكر الآخرة اشتغل في الدنيا باللذات، فلم يبق له في الآخرة إلا الحبس في الجحيم وأكل الزقوم، وكان الكبار يقنعون بيسير من الغذاء، كما حكي أن أويساً القرني رضي الله عنه كان يقتات ويكتسي مما وجد في المزابل، فرأى يوماً كلباً يهتز، فقال : كل ما يليك وأنا آكل ما يليني، فإن دخلت الجنة، فأنا خير منك، وإن دخلت النار، فأنت خير مني.
قال عليه السلام :"جاهدوا أنفسكم بالجوع والعطش، فإن الأجر في ذلك كأجر المجاهدة في سبيل الله، وأنه ليس من عمل أحب إلى الله تعالى من جوع وعطش، كما في "مختصر الإحياء".
وفي المثنوي :
زين خورشها اندك اندك بازبر
زين غذاى خربود نى آن حر
تا غذاى اصل را قابل شوى
لقمهاى نور را آكل شوى
وقال الجامي :
جوع باشد غذاى اهل صفا
محنت وابتلاى اهل هوا
جوع تنوير خانة دل تست
اكل تعمير حانه كل تست
خانة دل كذاشتى بى نور
خانة كل جه ميكنى معمور
وقال الشيخ سعدي :
باندازه خورزادا كر مردمى
جنين برشكم آدمى با خمى
درون جاى قوتست وذكر ونفس
توبندارى از بهر نانست وبس
ندارند تن بروران آكهى
كه بر معده باشد زحكمت تهى
ومن أوصاف المريدين المجاهدة، وهو حمل النفس على المكاره البدنية من الجوع والعطش والعري، ولا بد من مقاساة الموتات الأربع : الموت الأبيض، وهو الجوع، والموت الأحمر : وهو مخالفة الهوى، والموت الأسود، وهو تحمل الأذى، والموت الأخضر وهو طرح الرقاء بعضها على بعض ؛ أي : لبس الخرقة المرقعة هضماً للنفس ما لم تكن لباس شهرة، فإن النبي عليه السلام نهى عن الشهرتين في اللباس اللين الأرفع والغليظ الأقوى، لأنه اشتهار بذلك وامتياز عن المسلمين له قد، وقال عليه السلام : كن في الناس كواحد من الناس قال إبراهيم بن أدهم قدس سره للقمة تتركها من عشائك مجاهدة لنفسك خير لك من قيام ليلة هذا اذا كان حلالاً، وإما إذا كان حراماً فلا خير فيه البتة، فما ملىء وعاء شر من بطن مليء بالحلال وبالجوع يحصل الصمت، وقلة الكلام والذلة والانكسار من جميع الشهوات، ويذهب الوساوس، وكل آفة تطرأ عليك من نتائج الشبع، وأنت لا تدري قديماً كان أو حديثاً، فإن المعدة حوض البدن يسقي منه هذه الأعضاء التي هي مجموعة، فالغذاء الجسماني هو ماء حياة الجسم على التمام.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٤٩٦
ولذلك قال سهل قدس سره : إن سره الخلوة في الماء، وأنت لا تشك أن صاحب الزراعة لو سقاها فوق حاجتها، وأطلق الماء عليها جملة واحدة هلكت، ولو منعها الماء فوق الحاجة أيضاً هلكت سواء كان من الأرض، أو من السماء وقس عليه الامتلاء من الطعام، ولو كان حلالاً.
نسأل الله الحماية والرعاية.
﴿وَكَأَيِّن﴾ كلمة مركبة من
٥٠٤
الكاف وأي بمعنى كم الخبرية.


الصفحة التالية
Icon