قال المولى الجامي في "شرح الكافية" : إنما بنى كأين لا كاف التشبيه دخلت على أي، وأي في الأصل كان معرباً، لكنه انمحى عن الجزءين معناهما الإفرادي، فصار المجموع كاسم مفرد، بمعنى كم الخبرية، فصار كأنه اسم مبني على السكون آخره نون ساكنة كما في من لا تنوين تمكن، ولهذا يكتب بعد الياء نون مع أن التنوين لا صورة له في الخط.
انتهى.
ومحلها الرفع بالابتداء.
﴿مِن قَرْيَةٍ﴾ تمييز لها.
﴿هِىَ أَشَدُّ قُوَّةً مِّن قَرْيَتِكَ﴾ صفة لقربة ﴿الَّتِى أَخْرَجَتْكَ﴾ : صفة لقريتك، وهي مكية، وقد حدف منهما المضاف، وأجرى أحكامه عليهما، كما يفصح عنه الخبر الذي هو قوله تعالى :﴿أَهْلَكْنَـاهُمْ﴾ ؛ أي : وكم من أهل قرية هم أشد قوة من أهل قريتك الذين كانوا سبباً لخروجك من بينهم، ووصف القرية الأولى بشدة القوة للإيذان بأولوية الثانية منها بالإهلاك لضعف قوتها، كما أن وصف الثانية بإخراجه عليه السلام للإيذان بأولويتها به لقوة جنايتها.
﴿فَلا نَاصِرَ لَهُمْ﴾ بيان لعدم خلاصهم من العذاب بواسطة الأعوان والأنصار أثر بيان عدم خلاصهم منهم بأنفسهم، والفاء لترتيب ذكر ما بالغير على ذكر ما بالذات، وهو حكاية حال ماضية.
وقال ابن عباس وقتادة رضي الله عنهم : لما خرج رسول الله عليه السلام من مكة إلى الغار التفت إلى مكة.
وقال : أنت أحب البلاد إلى الله ولي، ولولا أن المشركين أخرجوني ما خرجت منك، فأنزل الله هذه الآية، فتكون الآية مكية وضعت بين الآيات المدنية.
وفي الآية إشارة إلى الروح وقريته، وهي الجسد فكم من قالب هو أقوى وأعظم من قالب قد أهلكه الله بالموت، فلا ناصر لهم في دفع الموت، فإذا كان الروح خارجاً من القالب القوي بالموت، فأولى أن يخرج من القالب الضعيف، كما قال تعالى :﴿أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِككُّمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنتُمْ فِى بُرُوجٍ مُّشَيَّدَةٍ﴾ (النساء : ٧٨) ؛ أي : في أجسام ضخمة ممتلئة :
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٤٩٦
سيل بى ونهاررا در زيل بل آرام نيست
ما بغفلت زير طاق آسمان اسوده ايم
﴿إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَـامُوا فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ * أولئك أَصْحَـابُ الْجَنَّةِ خَـالِدِينَ فِيهَا جَزَآءَا بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * وَوَصَّيْنَا الانسَـانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَـانًا حَمَلَتْهُ أُمُّه كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا وَحَمْلُه وَفِصَـالُه ثَلَـاثُونَ شَهْرًا﴾.
﴿أَفَمَن كَانَ﴾ :(آيا هركه باشد).
﴿عَلَى بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّهِ﴾ : الفاء للعطف على مقدر يقضيه المقام، ومن عبارة عن المؤمنين المتمسكين بأدلة الدين ؛ أي : أليس الأمر كما ذكر، فمن كان مستقراً على حجة ظاهرة، وبرهان نير من مالك أمره ومربيه، وهو القرآن وسائر المعجزات والحجج العقلية.
﴿كَمَن زُيِّنَ لَه سُواءُ عَمَلِهِ﴾ من الشر وسائر المعاصي مع كونه في نفسه أقبح القبائح، يعني : شيطان ونفس (اورا آرايش كرده است).
والمعنى : لا مساواة بين المهتدي والضال.
﴿وَاتَّبِعُوا﴾ بسبب ذلك التزيين.
﴿أَهْوَآءَهُم﴾ الزائغة، وانهمكوا في فنون الضلالات من غير أن يكون لهم شبهة توهم صحة ما هم عليه فضلاً عن حجة تدل عليها وجمع الضمير باعتبار معنى من، كما أن إفراد الأولين باعتبار لفظها.
وفي الآية إشارة إلى أهل القلب، وأهل النفس، فإن أهل القلب بسبب تصفية قلوبهم عن صدأ الأخلاق الذميمة رأوا شواهد الحق، فكانوا على بصيرة من الأمر، وأما أهل النفس فزين لهم البدع، ومخالفات الشرع واتبعوا أهواءهم في العقائد القلبية والأعمال القالبية، فصاروا أضل من الحمير حيث لم يهتدوا لا إلى الله تعالى ولا إلى الجنة.
وقال أبو عثمان : البينة هي النور الذي يفرق المرء بين الإلهام والوسوسة، ولا يكون إلا لأهل الحقائق في الإيمان وأصل البينة للنبي عليه السلام، كما قال تعالى :﴿لَقَدْ رَأَى مِنْ ءَايَـاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى﴾ (النجم : ٨١)، وقال تعالى :﴿مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى﴾ (النجم : ١١).
قال بعض الكبار :
٥٠٥
إنما لم يجمع لنبي من الأنبياء عليهم السلام ما جمع لرسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم من العلوم ؛ لأن مظهره عليه السلام (رحماني).
والرحمن : أول اسم صدر بعد الاسم العليم، فالمعلومات كلها يحتوي عليها الاسم الرحمن، ومن هنا تحريم زينة الدنيا عليه صلى الله عليه وسلّم لكونها زائلة، فمنع من التلبس بها ؛ لأن مظهره الرحماني ينافي الانقضاء ويلائم الأبد :
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٤٩٦
از ما مجوى زينت ظاهر كه جون صدف
ما اندرون خانه بكوهر كرفته ايم