اين سببها جون بفرمان توبود
جارجوهم مرترا فرمان نمود
(ودر بحر الحقائق فرموده كه آب اشارت بحيات دل است ولبن بفطرت اصليه كه بحموضت هوى وتفاهت بدعت متغير نكشته وخمر جوشن محبت الهى وعسل مصفى حلاوت قرب).
يقول الفقير : يفهم من هذا وجه آخر لترتيب الأنهار، وهو أن تحصل حياة القلب بالعلم أولاً، ثم تظهر صفوة الفطرة الأصلية، ثم يترقى السالك من محبة الأكوان إلى محبة الرحمن، ثم يصل إلى مقام القرب والجوار الإلهي.
وقيل : التجلي العلمي لا يقع إلا في أربع صور : الماء واللبن والخمر والعسل.
فمن شرب الماء يعطى العلم اللدني، ومن شرب اللبن يعطى العلم بأمور الشريعة، ومن شرب الخمر يعطى العلم بالكمال، ومن شرب العسل يعطى العلم بطريق الوحي والعلم إذا حصل بقدر استعداد القابل أعطاه الله استعداد العلم الآخر، فيحصل له عطش آخر.
ومن هذا قيل : طالب العلم كشارب ماء البحر، كلما ازداد شرباً ازداد عطشاً، ومن هذا الباب ما نقل عن سيد العارفين أبي يزيد البسطامي قدس سره من أنه قال :()
شربت الحب كأساً بعد كأس
فما نفد الشراب ولا رويت
وإليه الإشارة بقوله تعالى :﴿وَقُل رَّبِّ زِدْنِى عِلْمًا﴾ ()، وأما الري في العلم فإضافي لا حقيقي.
قال بعض
٥٠٧
العارفين : من شرب بكأس الوفاء لم ينظر في غيبته إلى غيره ومن شرب بكأس الصفاء خلص من شوبه وكدورته، ومن شرب بكأس الفناء عدم فيه القرار، ومن شرب في حال اللقاء أنس على الدوام ببقائه، فلم يطلب مع لقائه شيئاً آخر لا من عطائه ولا من لقائه لاستهلاكه في علائه عند سطوات جلاله وكبريائه، ولما ذكر ما للشرب ذكر ما للأكل، فقال :﴿وَلَهُمْ﴾ ؛ أي : للمتقين ﴿فِيهَآ﴾ ؛ أي : في الجنة الموعودة مع ما فيها من فنون الأنهار.
﴿مِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ﴾ ؛ أي : صنف من كل الثمرات على وجه لا حاجة معه من قلة، ولا انقطاع.
وقيل : زوجان انتزاعاً من قوله تعالى :﴿فِيهِمَا مِن كُلِّ فَـاكِهَةٍ زَوْجَانِ﴾ (الرحمن : ٥٢)، وهي جمع ثمرة، وهي اسم لكل ما يطعم من أحمال الشجر، ويقال لكل نفع يصدر عن شيء ثمرة، كقولك : ثمرة العلم العمل الصالح، وثمرة العمل الصالح الجنة.
﴿وَمَغْفِرَةٌ﴾ عظيمة كائنة.
﴿مِّن رَّبِّهِمُ﴾ ؛ أي : المحسن إليهم بمحو ذنوبهم السالفة أعيانها وآثارها بحيث لا يخشون لهما عاقبة بعقاب ولا عتاب، وإلا لتنغص العيش عليهم يعني :(ببوشد ذنوب ايشانرا نه بران معاقبه كندونه معاتبه نمايد).
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٤٩٦
وفيه تأكيد لما أفاده التنكير من الفخامة الذاتية بالفخامة الإضافية.
قال في "فتح الرحمن" : قوله : ومغفرة عطف على الصنف المحذوف ؛ أي : ونعيم أعطته المغفرة وسببته، وإلا فالمغفرة إنما هي قبل الجنة.
وفي "الكواشي" : عطف على أصناف المقدرة للإيذان بأنه تعالى راضضٍ عنهم مع ما أعطاهم، فإن السيد قد يعطي مولاه مع ما سخطه عليه.
قال بعض العارفين : الثمرات عبارة عن المكاشفات والمغفرة عن غفران ذنب الوجود كما قيل :
وجودك ذنب لا يقاس به ذنب
بندار وجود ماكنا هيست عظيم
لطفى كن واين كنه زما در كذران
﴿كَمَنْ هُوَ خَـالِدٌ فِى النَّارِ﴾ : خبر لمبتدأ محذوف تقديره أمن هو خالد في هذه الجنة حسبما جرى به الوعد الكريم، كمن هو خالد في النار التي لا يطفأ لهيبها، ولا يفك أسيرها، ولا يؤنس غريبها، كما نطق به قوله تعالى :﴿وَالنَّارُ مَثْوًى لَّهُمْ﴾ (محمد : ١٢).
وبالفارسية :(آيا هركه درجنين نعمتى باشد مانند كسى است كه اوجاودانست درآتش دوزخ).
﴿وَسُقُوا﴾ الجمع باعتبار معنى من ؛ أي : سقوا بدل ما ذكر من أشربة أهل الجنة.
﴿مَآءً حَمِيمًا﴾ حاراً غاية الحرارة.
﴿فَقَطَّعَ﴾ :(بس باره باره ميكند آب از فرط حرارت).
﴿أَمْعَآءَهُمْ﴾ :(رودهاى ايشانرا).
جمع معيّ : بالكسر والقصر، وهو من أعفاج البطن ؛ أي : ما ينتقل الطعام إليه بعد المعدة قيل : إذا دنا منهم شوى وجوههم، وانمازت فروة رؤوسهم ؛ أي : انعزلت وانفرزت، فإذا شربوه قطع أمعاءهم، فخرجت من أدبارهم، فانظر بالاعتبار أيها الغافل عن القهار، هل يستوي الشراب العذب البارد والماء الحميم المر، وإنما ابتلاهم الله بذلك، لأن قلوبهم كانت خالية عن العلوم والمعارف الإلهية ممتلئة بالجهل والغفلة، ولا شك أن اللذة الصورية الأخروية إنما تنشأ من اللذة المعنوية الدنيوية، كما أشار إليه مالك بن دينار قدس سره بقوله : خرج الناس من الدنيا، ولم يذوقوا أطيب الأشياء.
قيل : وما هو؟ قال : معرفة الله تعالى، فبقدر هذا الذوق في الدنيا يحصل الذوق في الآخرة، فمن كمل له الذوق كمل له النعيم.
قال أبو زيد البسطامي قدس سره : حلاوة المعرفة الإلهية خير من جنة الفردوس وأعلى عليين.
واعلم أن الإنسان لو حبس في بيت حمام حار لا يتحمله، بل يؤدي إلى موته، فكيف حاله إذا حبس في دار جهنم التي حرارتها فوق كل حرارة، لأنها سجرت بغضب القهار، وكيف حاله إذا سقي
٥٠٨