مثل ذلك الماء الحميم.
وقد كان في الدنيا بحيث لا يدفع عطشه كل بارد، فلا ينبغي الاغترار بنعيم الدنيا إذا كان عاقبته الجحيم والحميم.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٤٩٦
وفي الخبر : أن مؤمناً وكافراً في الزمان الأول انطلقا يصيدان السمك، فجعل الكافر يذكر آلهته ويأخذ السمك حتى أخذ سمكاً كثيراً، وجعل المؤمن يذكر الله كثيراً فلا يجيء شيء، ثم أصاب سمكة عند الغروب، فاضطربت ووقعت في الماء، فرجع المؤمن وليس معه شيء، ورجع الكافر، وقد امتلأت شبكته، فأسف ملك المؤمن الموكل عليه، فلما صعد إلى السماء أراه الله مسكن المؤمن في الجنة، فقال : والله ما يضره ما أصابه بعد أن يصير إلى هذا وأداه مسكن الكافر في جهنم، فقال الله : ما يغني عنه ما أصابه من الدنيا بعد أن يصير إلى هذا :
نعيم هر دو جهان بيش عاشقان بدوجو
كه آن متاع قليلست واين بهاى كثير
﴿وَوَصَّيْنَا الانسَـانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَـانًا حَمَلَتْهُ أُمُّه كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا وَحَمْلُه وَفِصَـالُه ثَلَـاثُونَ شَهْرًا حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّه وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِى أَنْ أَشكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِى أَنْعَمْتَ عَلَىَّ وَعَلَى وَالِدَىَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَـالِحًا تَرْضَـاـاهُ وَأَصْلِحْ لِى فِى ذُرِّيَّتِى إِنِّى تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّى مِنَ الْمُسْلِمِينَ * أولئك الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَنَتَجَاوَزُ عَن سَيِّـاَاتِهِمْ فِى أَصْحَـابِ الْجَنَّةِا وَعْدَ الصِّدْقِ الَّذِى كَانُوا يُوعَدُونَ * وَالَّذِى قَالَ لِوَالِدَيْهِ أُفٍّ لَّكُمَآ أَتَعِدَانِنِى أَنْ أُخْرَجَ وَقَدْ خَلَتِ الْقُرُونُ مِن قَبْلِى وَهُمَا يَسْتَغِيثَانِ اللَّهَ وَيْلَكَ ءَامِنْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَيَقُولُ مَا هَـاذَآ إِلا أَسَـاطِيرُ الاوَّلِينَ﴾.
﴿وَمِنْهُم مَّن يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ﴾ يقال : استمع له، وإليه ؛ أي : أصغى، وهم المنافقون كانوا يحضرون مجلس رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم، فيسمعون كلامه ولا يعونه ولا يراعونه حق رعايته تهاوناً منهم.
﴿حَتَّى إِذَا خَرَجُوا مِنْ عِندِكَ﴾ جمع الضمير باعتبار معنى من كما أن إفراده فيما قبله باعتبار لفظه ﴿قَالُوا لِلَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ﴾ يعني : علماء الصحابة كعبد الله بن مسعود رضي الله عنه، وابن عباس وأبي الدرداء رضي الله عنهم.
﴿مَاذَا قَالَ ءَانِفًا﴾ ؛ أي : ما الذي قال الساعة على طريق الاستهزاء، وإن كان بصورة الاستعلام.
وبالفارسية :(جه كفت بيغمبر اكنون يعنى ما فهم نكرديم سخن اورا واين بروجه سخريت ميكفنند).
وآنفاً من قولهم أنف الشيء، لما تقدم منه مستعار من الجارحة.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٤٩٦
قال الراغب : استأنفت الشيء أخذت آنفه ؛ أي : مبدأه.
ومنه : ماذا قال آنفاً ؛ أي : مبتدأ انتهى.
قال بعضهم : تفسير الآنف بالساعة يدل على أنه ظرف حالي لكنه اسم للساعة التي قبل ساعتك التي أنت فيها، كما قاله صاحب "الكشاف"، وفي "القاموس"، قال : آنفاً كصاحب وكتف وقرىء بهما ؛ أي : مذ ساعة ؛ أي : في أول وقت يقرب منا.
انتهى.
وبه يندفع باعتراض البعض، فإن الساعة ليست محمولة على الوقت الحاضر في مثل هذا المقام، وإنما يراد بها ما في تفسير صاحب "القاموس".
ومن هنا قال بعضهم : يقال : مر آنفاً ؛ أي : قريباً أو هذه الساعة ؛ أي : إن شئت قل هذه الساعة، فإنه بمعنى الأول، فاعرف ﴿أولئك﴾ الموصوفون بما ذكر ﴿الَّذِينَ طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ﴾ ختم عليها لعدم توجهها نحو الخير أصلاً، ومنه الطابع للخاتم.
قال الراغب : الطبع أن يصور الشيء بصورة ما كطبع السكة وطبع الدراهم، وهو أعم من الختم وأخص من النقش والطابع والخاتم، ما يطبع به ويختم.
والطابع فاعل ذلك ﴿وَاتَّبَعُوا أَهْوَآءَهُم﴾ الباطلة، فلذلك فعلوا ما فعلوا مما لا خير فيه.
﴿وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا﴾ إلى طريق الحق وهم المؤمنون ﴿زَادَهُمْ﴾ ؛ أي : الله تعالى ﴿هُدًى﴾ بالتوفيق والإلهام.
﴿وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا﴾ ؛ أي : خلق التقوى فيهم، أو بين لهم ما يتقون منه.
قال ابن عطاء قدس سره : الذين تحققوا في طلب الهداية أوصلناهم إلى مقام الهداية وزدناهم هدى بالوصول إلى الهادي.
﴿وَالَّذِى قَالَ لِوَالِدَيْهِ أُفٍّ لَّكُمَآ أَتَعِدَانِنِى أَنْ أُخْرَجَ وَقَدْ خَلَتِ الْقُرُونُ مِن قَبْلِى وَهُمَا يَسْتَغِيثَانِ اللَّهَ وَيْلَكَ ءَامِنْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَيَقُولُ مَا هَـاذَآ إِلا أَسَـاطِيرُ الاوَّلِينَ * أولئك الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ فِى أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِم مِّنَ الْجِنِّ وَالانسِا إِنَّهُمْ كَانُوا خَـاسِرِينَ * وَلِكُلٍّ دَرَجَـاتٌ مِّمَّا عَمِلُوا وَلِيُوَفِّيَهُمْ أَعْمَـالَهُمْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ﴾.


الصفحة التالية
Icon