﴿فَهَلْ يَنظُرُونَ﴾ ؛ أي : المنافقون والكافرون.
﴿إِلا السَّاعَةَ﴾ ؛ أي : ما ينتظرون إلا القيامة ﴿أَن تَأْتِيَهُم بَغْتَةً﴾، وهي المفاجأة بدل اشتمال من الساعة ؛ أي : تباغتهم بغتة.
والمعنى : أنهم لا يتذكرون بذكر أحوال الأمم الخالية ولا بالأخبار بإتيان الساعة، وما فيها من عظائم الأمور، وما ينتظرون للتذكر إلا إتيان
٥٠٩
نفس الساعة بغتة.
﴿فَقَدْ جَآءَ أَشْرَاطُهَا﴾ تعليل لمفاجأتها لا لإتيانها مطلقاً على معنى أنه لم يبق من الأمور الموجبة للتذكر أمر مترقب ينتظرونه سوى إتيان نفس الساعة إذا جاء أشراطها، فلم يرفعوا لها رأساً، ولم يعدوها من مبادىء إتيانها، فيكون إتيانها بطريق المفاجأة لا محالة، والأشراط جمع شرط بالتحريك، وهو العلامة.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٤٩٦
والمراد بها : مبعثه عليه السلام وأمته آخر الأمم فمبعثه يدل على قرب انتهاء الزمان.
﴿فَأَنَّى لَهُمْ إِذَا جَآءَتْهُمْ ذِكْرَاـاهُمْ﴾ حكم بخطئهم وفساد رأيهم في تأخير التذكر إلى إتيانها ببيان استحالة نفع التذكر حينئذٍ كقوله يومئذٍ يتذكر الإنسان وأنى له الذكرى ؛ أي : وكيف لهم ذكراهم إذا جاءتهم الساعة على أن أنى خبر مقدم وذكراهم مبتدأ وإذا جاءتهم اعتراض وسط بينهما رمزاً إلى غاية سرعة مجيئها وإطلاق المجيء عن قيد البغتة لما أن مدار استحالة نفع التذكر كونه عند مجيئه مطلقاً لا مقيداً بقوله : البغتة.
وروي عن مكحول عن حذيفة، قال : سأل رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم : متى الساعة؟ قال : ما المسؤول عنها بأعلم من السائل، ولكن لها أشراط تقارب الأسواق"، يعني : كسادها ومطر لا نبات، يعني : مطر من غير حينه وتفشو الفتنة وتظهر أولاد البغية، ويعظم رب المال، وتعلو أصوات الفسقة في المساجد، ويظهر أهل المنكر على أهل الحق.
وفي الحديث :"إذا ضيعت الأمانة، فانتظر الساعة، فقيل : كيف إضاعتها، فقال : إذا وسد الأمر إلى غير أهله فانتظر الساعة :
بقومى كه نيكى بسندد خداى
دهد خسرو عال نيك راى
جو خواهدكه ويران كند عالمى
كند ملك دربنجة ظالمى
وقال الكلبي : أشراط الساعة كثرة المال والتجارة وشهادة الزور، وقطع الأرحام، وقلة الكرام، وكثرة اللئام.
وفي الحديث :"ما ينتظر أحدكم إلا غنى مطغياً أو فقراً منسياً، أو مرضاً مفسداً، أو هرماً مفنداً أو موتاً مجهزاً".
والدجال : شر غائب ينتظر، والساعة أدهي وأمر انتهى، وقيامة كل أحد موته، فعليه أن يستعد لما بعد الموت قبل الموت، بل يقوم بالقيامة الكبرى التي هي قيامة العشق والمحبة التي تهلك عندها جميع ما سوى الله، ويزول تعيين الوجود المجازي، ويظهر سر الوجود الحقيقي.
نسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعلنا من المسارعين إلى مرضاته والأعضاء والقوى تساعد لا من المسومين في أمره والأوقات تمر وتباعد.
﴿فَاعْلَمْ أَنَّهُ﴾ ؛ أي : الشأن الأعظم ﴿لا إله إِلا اللَّهُ﴾ ؛ أي : انتفى انتفاء عظيماً أن يكون معبوداً بحق غير الملك الأعظم ؛ أي : إذا علمت أن مدار السعادة هو التوحيد والطاعة ومناط الشقاوة هو الإشراك والعصيان، فاثبت على ما أنت عليه من العلم بالوحدانية والعمل بموجبه كقوله تعالى :﴿اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ﴾ (الفاتحة : ٥) ؛ أي : ثبتنا على الصراط لمستقيم وقدم العلم على العمل تنبيهاً على فضله واستبداده بالمزية عليه لا سيما العلم بوحدانية الله تعالى، فإنه أول ما يجب على كل أحد والعلم أرفع من المعرفة، ولذا قال : فاعلم دون فاعرف ؛ لأن الإنسان قد يعرف الشيء ولا يحيط به علماً، فإذا علمه وأحاط به علماً، فقد عرفه والعلم بالألوهية من قبيل العلم بالصفات ؛ لأن الألوهية صفة من الصفات، فلا يلزم أن يحيط بكنهه تعالى أحد، فإنه محال إذ لا يعرف الله إلا الله.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٤٩٦
قال بعض الكبار : لما كان ما تنتهي إليه معرفة كل عارف مرتبة الألوهية، ومرتبة أحديتها المعبر عنها بتعين الأول لاكنه ذاته وغيب هويته، ولا إحاطة صفاته أمر في كتابه العزيز نبيه، لذا هو أكمل
٥١٠


الصفحة التالية
Icon