وقال سعدي المفتي : وسنح بالبال أنه يجوز أن يكون المراد أن دينكم لشيء يستحق أن يطلب ويعض عليه بالنواجذ، فيكون ترغيباً وتعليلاً للأمر السابق.
وقال بعضهم :(بدرستى كه مخالفت محمد باما جيز نيست كه خواسته اند بما از حوادث زمان واز وقوع آن جاره نيست).
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٢
ويقول الفقير أمده الله القدير بالفيض الكثير ويجوز أن يكون المعنى : أن الصبر والثبات على عبادة الآلهة التي هي الدين القديم يراد منكم فإنه أقوى ما يدفع به أمر محمد كما قالوا نتربص به ريب المنون، فيكون موافقاً لقرينه في الإشارة إلى المذكور فيما قبله أو أن شأن محمد لشيء يراد دفعه وإطفاء نائرته بأي وجه كان قبل أن يعلو ويشيع، كما قيل :
علاج واقعه بيش از وقوع بايد كرد
ودل عليه اجتماعهم على مكره عليه السلام مراراً فأبى الله إلا أن يتم نوره.
﴿وَانطَلَقَ الْمَلا مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلَى ءَالِهَتِكُمْ إِنَّ هَـاذَا لَشَىْءٌ يُرَادُ * مَا سَمِعْنَا بِهَـاذَا فِى الْمِلَّةِ الاخِرَةِ إِنْ هَـاذَآ إِلا اخْتِلَـاقٌ * أَءُنزِلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ مِنا بَيْنِنَا بَلْ هُمْ فِى شَكٍّ مِّن ذِكْرِى بَل لَّمَّا يَذُوقُوا عَذَابِ * أَمْ عِندَهُمْ خَزَآاـاِنُ رَحْمَةِ رَبِّكَ الْعَزِيزِ الْوَهَّابِ * أَمْ لَهُم مٌّلْكُ السَّمَـاوَاتِ وَالارْضِ وَمَا بَيَنَهُمَا فَلْيَرْتَقُوا فِى الاسْبَـابِ﴾.
﴿مَا سَمِعْنَا بِهَـاذَا﴾ : الذي يقوله من التوحيد.
﴿فِى الْمِلَّةِ الاخِرَةِ﴾ : ظرف لغو سمعنا ؛ أي : في الملة التي أدركنا عليها آباءنا، وهي ملة قريش ودينهم الذي هم عليه، فإنها متأخرة عما تقدم عليها من الأديان والملل.
وفيه إشارة إلى ركون الجهال إلى التقليد والعادة وما وجدوا عليه أسلافهم من الضلال وإخطاء طريق العبادة :
ترسم نرسى بكعبه اي اعرابى
كين ره كه توميروى بتركستانست
والملة كالدين اسم لما شرع الله لعباده على يد الأنبياء ليتوصلوا به إلى ثواب الله وجواره فإطلاق كل منهما على طريقة المشركين مجاز مبني على التشبيه.
﴿إِنَّ هَـاذَآ﴾ : نافية بمعنى ما ﴿إِلا اخْتِلَـاقٌ﴾.
(الاختلاق دروغ كفتن ازنزد خود) ؛ أي : كذب اختلقه من عند نفسه.
قال
في "المفردات" : وكل موضع استعمل فيه الخلق في وصف الكلام، فالمراد به الكذب ومن هذا امتنع كثير من الناس من إطلاق لفظ الخلق على القرآن، وعلى هذا قوله : أن هذا إلاَّ اختلاق.
﴿عَلَيْهِ الذِّكْرُ مِنا بَيْنِنَا بَلْ﴾ : ونحن رؤساء الناس وأشرافهم وأكبرهم سناً وأكثرهم أموالاً وأعواناً وأحقاء بكل منصب شريف ومرادهم إنكار كون القرآن ذكراً منزلاً من الله تعالى.
وأمثال هذه المقالات الباطلة دليل على أن مناط تكذيبهم ليس إلا الحسد على اختصاصه عليه السلام بشرف النبوة من بينهم وحرمانهم منه وقصر النظر على متاع الدنيا وغلطوا في القصر والقياس.
أما الأول فلأن الشرف الحقيقي إنما هو بالفضائل النفسانية دون الخارجية.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٢
وأما الثاني فلأن قياس نفسه عليه السلام بأنفسهم فاسد إذ هو روح الأرواح وأصل الخليقة، فأنى يكون هو مثلهم وأما الصورة الإنسانية فميراث عام من آدم عليه السلام لا تفاوت فيها بين شخص وشخص نعم وجهه عليه السلام كان يلوح منه أنوار الجمال بحيث لم يوجد مثله فيما بين الرجال :
اى حسن سعادت زجبين تو هويدا
اين حسن جه حسنست تقدس وتعالى
وفيه إشارة إلى حال أكثر علماء زماننا وعبادهم أنهم إذا رأوا عالماً ربانياً من أرباب الحقائق يخبر عن حقائق لم يفهموها ويشير إلى دقائق لم يذوقوها دعتهم النفوس المتمردة إلى تكذيبه، فيجحدونه بدل الاغتنام بأنفاسه والاقتباس من أنواره ويقولون أكوشف هو بهذه الحقائق من بيننا ويقعون في الشك من أمرهم كما قال تعالى :﴿بَلْ هُمْ فِى شَكٍّ مِّن ذِكْرِى﴾ ؛ أي : القرآن أو الوحي بميلهم إلى التقليد وإعراضهم عن النظر في الأدلة المؤدية إلى العلم بحقيته وليس في عقيدتهم ما يجزمونه فهم مذبذبون بين الأوهام ينسبونه تارة إلى السحر وأخرى إلى الاختلاق.
وفيه إشارة إلى أن القرآن قديم لأنه سماه الذكر ثم أضافه إلى نفسه، ولا خفاء بأن ذكره قديم، لأن الذكر المحدث يكون مسبوقاً بالنسيان، وهو منزه عنه.
﴿بَل لَّمَّا يَذُوقُوا عَذَابِ﴾ في لما دلالة على أن ذوقهم العذاب على شرف الوقوع، لأنها للتوقع ؛ أي : بل لم يذوقوا بعد عذابي، فإذا ذاقوه تبين لهم حقيقة الحال.
وفيه تهديد لهم ؛ أي : سيذوقون عذابي فيلجئهم إلى تصديق الذكر حين لا ينفع التصديق.