وفيه إشارة إلى أنهم مستغرقون في بحر عذاب الطرد والبعد ونار القطيعة لكنهم عن ذوق العذاب بمعزل لغلبة الحواس إلى أن يكون يوم تبلى السرائر فتغلب السرائر على الصور والبصائر على البصر، فيقال لهم : ذوقوا العذاب، يعني : كنتم معذبين وما كنتم ذائقي العذاب، فالمعنى : لو ذاقوا عذابي ووجدوا ألمه لما قدموا على الجحود دل على هذا قوله عليه السلام :"الناس نيام فإذا ماتوا انتبهوا".
شو زخواب كران جان بيدار
تا جمالش عيان ببين اي يار
﴿أَمْ عِندَهُمْ خَزَآاـاِنُ رَحْمَةِ رَبِّكَ الْعَزِيزِ الْوَهَّابِ﴾ : أم منقطعة بمعنى : بل، والهمزة وهي للإنكار.
والخزائن جمع خزانة بالكسر بمعنى المخزن ؛ أي : بل أعندهم خزائن رحمته تعالى يتصرفون فيها حسبما يشاؤون حتى يصيبوا بها من شاؤوا ويصرفوها عمن شاؤوا ويتحكموا فيها بمقتضى آرائهم، فيتخيروا للنبوة بعض صناديدهم.
والمعنى : أن النبوة عطية من الله تعالى
يتفضل بها على من يشاء من عباده، لا مانع له فإنه العزيز ؛ أي : الغالب الذي لا يغالب الوهاب الذي له أن يهب كل ما يشاء.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٢
جون زحال مستحقان آكهي
هرجه خواهي هركرا خواهي دهي
ديكرا نرا اين تصرف كي رواست
اختيار اين تصرفها تراست
﴿أَمْ لَهُم مٌّلْكُ السَّمَـاوَاتِ وَالارْضِ وَمَا بَيَنَهُمَا﴾ : ترشيح ؛ أي : تربية لما سبق ؛ أي : بل ألهم ملك هذه العوالم العلوية والسفلية حتى يتكلموا في الأمور الربانية ويتحكموا في التدابير الإلهية التي يستأثر بها رب العزة والكبرياء.
﴿فَلْيَرْتَقُوا فِى الاسْبَـابِ﴾ : جواب شرط محذوف، والارتقاء : الصعود.
قال الراغب : السبب الحبل الذي يصعد به النخل، وقوله تعالى :﴿فَلْيَرْتَقُوا فِى الاسْبَـابِ﴾ : إشارة إلى قوله :﴿أَمْ لَهُمْ سُلَّمٌ يَسْتَمِعُونَ﴾ (الطور : ٣٨) فيه وسمي كل ما يتوصل به إلى شيء سبباً.
انتهى.
والمعنى : إن كان لهم ما ذكر من الملك فليصعدوا في المعارج والمناهج التي يتوصل بها إلى العرش حتى يستووا عليه ويدبروا أمر العالم وينزلوا الوحي إلى ما يختارون ويستصوبون.
وفيه من التهكم بهم ما لا غاية وراءه.
﴿أَمْ لَهُم مٌّلْكُ السَّمَـاوَاتِ وَالارْضِ وَمَا بَيَنَهُمَا فَلْيَرْتَقُوا فِى الاسْبَـابِ * جُندٌ مَّا هُنَالِكَ مَهْزُومٌ مِّنَ الاحَزَابِ * كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَعَادٌ وَفِرْعَوْنُ ذُو الاوْتَادِ * وَثَمُودُ وَقَوْمُ لُوطٍ وَأَصْحَـابُ لْـاَيْكَةِا أولئك الاحْزَابُ * إِن كُلٌّ إِلا كَذَّبَ الرٌّسُلَ فَحَقَّ عِقَابِ﴾.
﴿جُندٌ مَّا هُنَالِكَ مَهْزُومٌ مِّنَ الاحَزَابِ﴾ : الجند جمع معد للحرب وما مزيدة للتقليل والتحقير نحو أكلت شيئاً ما وهنالك مركب من ثلاث كلمات إحداها ها هنا وهو إشارة إلى مكان قريب.
والثانية : اللام وهي للتأكيد، والثالثة : الكاف وهي للخطاب.
قالوا : واللام فيها كاللام في ذلك في الدلالة على بعد المشار إليه، والهزم : الكسر.
يقال : هزم العدو كسرهم وغلبهم والاسم : الهزيمة.
وهزمه يهزمه، فانهزم غمزه بيده فصارت فيه حفرة كما في "القاموس".
والحزب جماعة فيها غلظ كما في "المفردات" قال ابن الشيخ : جند خبر مبتدأ محذوف ومن الأحزاب صفته ؛ أي : جملة الأحزاب وهم القرون الماضية الذين تحزبوا وتجمعوا على الأنبياء بالتكذيب، فقهروا وهلكوا ومهزوم خبر ثاننٍ للمبتدأ المقدر أو صفة لجند، وهنالك ظرف لمهزوم أو صفة أخرى لجند، وهو إشارة إلى الموضع الذي تقاولوا وتحاوروا فيه بالكلمات السابقة، وهو مكة ؛ أي : سيهزمون بمكة، وهو إخبار بالغيب لأنهم انهزموا في موضع تكلموا فيه بهذه الكلمات.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٢
وقال بعضهم : هنالك إشارة إلى حيث وضعوافيه أنفسهم من الانتداب ؛ أي : الإجابة والمطاوعة لمثل ذلك القول العظيم من قولهم لمن ينتدب لأمر ليس من أهله لست هنالك فإن هواهم الزائغ وحسدهم البالغ حملهم على أن يقولوا : أأنزل عليه الذكر من بيننا فانتدبوا له ووضعوا أنفسهم في مرتبة أن يقولوا ذلك العظيم، فإنه لاستلزامه الاعتراض على مالك الملك والملكوت لا ينبغي لأحد أن يجترىء عليه ويضع نفسه في تلك المرتبة.
والمعنى : هم كجند ما من الكفار المتحزبين على الرسل مهزوم مكسور عما قريب فلا تبال بما يقولون، ولا تكترث بما يهذون.
ففي إشارة إلى عجزهم وعجز آلهتهم، يعني : أن هؤلاء الكفار ليس معهم حجة ولا لأصنامهم من النفع والضر مكنة ولا في الدفع والردّ عن أنفسهم قوة.
وسمعت من فم حضرة شيخي وسندي قدس سره يقول استناد الكفار إلى الأحجار ألا ترى إلى القلاع والحصون واستناد المؤمنين إلى "لا إله إلا الله محمد رسول الله".
ألا ترى أنهم لا يتحصنون بحصن سوى التوكل على الله تعالى، وهو يكفيهم كما قال تعالى :
(لا إله إلا الله حصني فمن دخل حصني أمن من عذابي).
انتهى.
﴿كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ﴾ ؛ أي : قبل قومك يا محمد، وهم : قريش.


الصفحة التالية
Icon