﴿قَوْمُ نُوحٍ﴾ ؛ أي : كذبوا نوحاً، وقد دعاهم إلى الله وتوحيده ألف سنة إلا خمسين عاماً.
﴿وَعَادٌ﴾ : قوم هود.
﴿وَفِرْعَوْنُ﴾ : موسى عليه السلام.
﴿ذُو الاوْتَادِ﴾ : جمع وتد محركة وبكسر التاء، وهو ما غرز في الأرض أو الحائط من خشب : وبالفارسية :(ميخ) ؛ أي : ذو الملك الثابت، لأنه استقام له الأمر أربعمائة سنة من غير منازع وأصله أن يستعمل في ثبات الخيمة بأن يشد أطنابها على أوتاد مركوزة في الأرض، فإن أطنابها إذا اشتدت عليها كانت ثابتة فلا تلقيها الريح على الأرض ولا تؤثر فيها ثم استعير لثبات الملك ورسوخ السلطنة واستقامة الأمر، بأن شبه ملك فرعون بالبيت المطنب استعارة بالكناية، وأثبت له لوازم المشبه به.
وهو الثبات بالأوتاد تخييلاً.
وجه تخصيص هذه الاستعارة أن أكثر بيوت العرب كانت خياماً، وثباتها بالأوتاد ويجوز أن يكون المعنى ذو الجموع الكثيرة سموا بذلك ونهم يشدون البلاد، والملك ويشد بعضهم بعضاً كالوتد يشد البناء والخباء، فتكون الأوتاد استعارة تصريحية.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٢
وفي الحديث :"المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضاً" ؛ أي : لا يتقوى في أمر دينه ودنياه إلا بمعونة أخيه كما أن بعض البناء يتقوى ببعضه ويكفي دليلاً على كثرة جموع فرعون أنه قال في حق بني إسرائيل إن هؤلاء لشرذمة قليلون مع أنهم كانوا ينيفون على ستمائة ألف مقاتل سوى الصغير والشيخ.
ويجوز أن يكون الأوتاد حقيقة لا استعارة فإنه على ما روي كانت له أوتاد من حديد يعذب الناس عليها فكان إذا غضب على أحد مده مستلقياً بين أربعة أوتاد، وشد كل يد وكل رجل منه إلى سارية وكان كذلك في الهواء بين السماء والأرض حتى يموت، أو كان يمد الرجل مستلقياً على الأرض ثم يشد يديه ورجليه ورأسه على الأرض بالأوتاد.
يقول الفقير : هذه الرواية هي الأنسب لما ذكروه في قصة آسية امرأة فرعون في سورة التحريم من أنها لما آمنت بموسى أوتد لها فرعون بأوتاد في يديها ورجليها كما سيجيء.
﴿وَثَمُودُ﴾ : قوم صالح.
قال ابن عباس رضي الله عنهما : إن قوم صالح آمنوا به، فلما مات صالح رجعوا بعده عن الإيمان فأحيى الله صالحاً وبعثه إليهم ثانياً فأعلمهم أنه صالح، فكذبوه فأتاهم بالناقة فكذبوه فعقروها فأهلكهم الله.
قال الكاشفي :(بعضى إيمان آوردند وجمعى تكذيب نمودند وبسبب عقر ناقه هلاك شدند).
﴿وَقَوْمُ لُوطٍ﴾ : قال مجاهد : كانوا أربعمائة ألف بيت، في كل بيت عشرة.
وقال عطاء : ما من أحد من الأنبياء إلا ويقوم معه يوم القيامة قوم من أمته، إلا لوط فإنه يقوم وحده كما هو في "كشف الأسرار".
﴿وَثَمُودُ وَقَوْمُ﴾ : أصحاب الغيضة من قوم شعيب بالفارسية (أهل بيشه).
قال الراغب : الأيك شجر ملتف.
وأصحاب الأيكة : قيل : نسبوا إلى غيضة كانوا يسكنونها.
وقيل : هي اسم بلد كما في "المفردات".
﴿أولئك الاحْزَابُ﴾ : بدل من الطوائف المذكورة، يعني المتحزبين ؛ أي : المجتمعين على أنبيائهم الذين جعل الجند المهزوم، يعني : قريشاً منهم.
﴿إِن كُلٌّ إِلا كَذَّبَ الرٌّسُلَ﴾ : استئناف جيء به تهديداً لما يعقبه ؛ أي : ما كل حزب وجماعة من أولئك الأحزاب إلا كذب رسوله على نهج مقابلة الجمع بالجمع لتدل على انقسام الآحاد بالآحاد، كما في قولك : ركب القوم دوابهم.
والاستثناء : مفرغ من أعم الأحكام
في حيز المبتدأ ؛ أي : ما كل واحد منهم محكوماًعليه بحكم إلا محكوم عليه، بأنه كذب الرسل، ويجوز أن يكون قوله :﴿أولئك الاحْزَابُ﴾ : مبتدأ.
وقوله :﴿إِن كُلٌّ إِلا كَذَّبَ الرٌّسُلَ﴾ : خبره محذوف العائد ؛ أي : إن كل منهم.
﴿فَحَقَّ عِقَابِ﴾ ؛ أي : ثبت ووقع على كل منهم عقابي الذي كانت توجبه جناياتهم من أصناف العقوبات المفصلة في مواقعها.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٢
﴿إِن كُلٌّ إِلا كَذَّبَ الرٌّسُلَ فَحَقَّ عِقَابِ * وَمَا يَنظُرُ هَؤُلاءِ إِلا صَيْحَةً واحِدَةً مَّا لَهَا مِن فَوَاقٍ * وَقَالُوا رَبَّنَا عَجِّل لَّنَا قِطَّنَا قَبْلَ يَوْمِ الْحِسَابِ * اصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُادَ ذَا الايْدِا إِنَّه أَوَّابٌ * إِنَّا سَخَّرْنَا الْجِبَالَ مَعَه يُسَبِّحْنَ بِالْعَشِىِّ وَالاشْرَاقِ * وَالطَّيْرَ مَحْشُورَةًا كُلٌّ لَّه أَوَّابٌ * وَشَدَدْنَا مُلْكَه وَءَاتَيْنَـاهُ الْحِكْمَةَ وَفَصْلَ الْخِطَابِ﴾.
﴿وَمَا يَنظُرُ هَؤُلاءِ﴾ : الإشارة إلى كفار مكة بهؤلاء تحقير لشأنهم وتهوين لأمرهم وما ينتظر هؤلاء الكفرة الذين هم أمثال أولئك الطوائف المذكورة المهلكة في الكفر والتكذيب.


الصفحة التالية
Icon