واعلم أن الله تعالى ما وضع في العموم إلا أفضل الأشياء وأعمها نفعاً ؛ لأن يقابل به أضداداً كثيرة، فلا بد في ذلك الوضع من قوة ما يقابل به كل ضد، وهو كلمة لا إله إلا الله، ولهذا كانت أفضل الأذكار، فالذكر بها أفضل من الذكر بكلمة الله، الله وهو هو عند العلماء بالله ؛ لأنها جامعة بين النفي والإثبات وحاوية على زيادة العلم والمعرفة، فعليك بهذا الذكر الثابت في العموم، فإنه الذكر الأقوى، وله النور الأضوى، والمكانة الزلفى، وبه النجاة في الدنيا والعقبى، والكل يطلب النجاة وإن جعل البعض طريقها، فمن نفى بلا إله عين الخلق حكماً، لا علماً فقد أثبت كون الحق حكماً وعلماً، والإله من جميع الأسماء، ما هو إلا عين واحد هي مسمى الله الذي بيده ميزان الرفع والخفض.
ثم اعلم أن التوحيد لا ينفع بدون الشهادة له صلى الله عليه وسلّم بالرسالة وبين الكلمتين مزيد اتفاق يدل على تمام الاتحاد والاعتناق.
وذلك أن أحرف كل منهما إن نظرنا إليها خطأ كانت اثني عشر حرفاً على عدد أشهر السنة يكفر كل حرف منها شهراً، وإن نظرنا إليها نطقاً، كانت أربعة عشر تملأ الخافقين نوراً، وإن نظرنا إليها بالنظرين معاً كانت خمسة عشر لا يوقفها عن ذي العرش موفق، وهو سر غريب دال على الحكم الشرعي الذي هو عدم انفكاك إحداهما عن الأخرى، فمن لم يجمعهما اعتقاده لم يقبل إيمانه وإسلام اليهود والنصارى مشروط بالتبري من اليهودية والنصرانية بعد الإتيان بكلمتي الشهادة وبدون التبري لا يكونان مسلمين، ولو أتيا بالشهادتين مراراً ؛ لأنهما فسرا بقولهما بأنه رسول الله إليكم لكن هذا في الذين اليوم بين ظهراني أهل الإسلام، أما إذا كان في دار الحرب، وحمل عليه رجل من المسلمين فأتى بالشهادتين، أو قال : دخلت في دين الإسلام، أو في دين محمد عليه السلام، فهذا دليل توبته، ولهذه الكلمة من الأسرار ما يملأ الأقطار منها أنها بكلماتها الأربع مركبة من ثلاثة أحرف إشارة إلى الوتر الذي هو الله تعالى، والشفع الذي هو الخلق أنشأه الله تعالى أزواجاً، ومنها : أن أحرفها اللفظية أربعة عشر حرفاً على عدد السماوات والأرض الدالة على الذات الأقدس الذي هو غيب محض، والمقصود منها، مسمى الجلالة الذي هو الإله
٥١٣
الحق والجلالة الدالة عليه خمسة أحرف على عدد دعائم الإسلام الخمس ووتريته ثلاثة أحرف دلالة على التوحيد.
ومنها أنه إن لم يفعل فيها شيئاً شفهياً ليمكن ملازمتها لكونها أعظم مقرب إلى الله، وأقرب موصل إليه مع الإخلاص، فإن الذاكر بها يقدر على المواظبة عليها، ولا يعلم جليسه بذلك أصلاً ؛ لأن غيرك لا يعلم ما في وراء شفتيك إلا بإعلامك.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٤٩٦
ومنها : أن هذه الكلمة مع قرينتها الشاهدة بالرسالة سبع كلمات، فجعلت كل كلمة منها نابعة من باب من أبواب جهنم السبعة.
ومنها : أن عدد حروفها مع قرينتها أربعة وعشرون وساعات اليوم والليلة كذلك فمن الها فقد أتى بخير ينجيه من المكاره في تلك الآيات.
قال المولى الجامي :(نقطه بصورت مكس است وكلمة شهادت از نقطه معراست يعنى اين شهد از آلايش مكس طبعان معراست).
وقال بعض العارفين : لا يجوز لشخص أن يتصدر في مرتبة الشيخوخة إلا إن كان عالماً بالكتاب والسنة عارفاً بأمراض الطريق عارفاً بمقامات التوحيد الخمسة والثمانين نوعاً عارفاً باختلاف السالكين وأوديتهم حال كونهم مبتدئين وحال كونهم متوسطين، وحال كونهم كاملين، ويجمع كل ذلك قولهم ما اتخذ الله ولياً جاهلاً قط، ولو اتخذه لعلمه.
قال الشيخ الشهير بافتاده قدس سره : ليس في طريق الشيخ الحاجي بيرام الرقص حال التوحيد وليس في طريقنا أيضاً، بل نذكر الله قياماً وقعوداً، ولا نرقص وفق قوله تعالى :﴿الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَـامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ﴾ (آل عمران : ١٩٦).
وقال : الرقص والأصوات كلها إنما وضعت لدفع الخواطر، ولا شيء في دفعها أشد تأثيراً من التوحيد فطريقنا طريق الأنبياء عليهم السلام، فنبينا عليه السلام لم يلقن إلا التوحيد.
وقال في "إحياء العلوم" : الكامل هو الذي لا يحتاج أن يروح نفسه بغير الحق، ولكن حسنات الإبرار سيئات المقربين، ومن أحاط بعلم علاج القلوب ووجوه التلطف بها للسياقة إلى الحق علم قطعاً أن ترويحها بأمثال هذه الأمور دواء نافع لا غنى عنه انتهى.
وأراد بأمثال هذه الأمور السماع والغناء واللهو المباح ونحو ذلك.
وقال حضرة الشيخ افتاده قدس سره : إذا غلبت الخواطر واحتجت إلى نفسها فاجهر بذكر النفي وخافت الإثبات، أما إذا حصلت الطمأنينة وغلب الإثبات على النفي، فاجهر بالإثبات، فإنه المقصود الأصلي وخافت النفي.