﴿وَاذْكُرْ أَخَا عَادٍ إِذْ أَنذَرَ قَوْمَه بِالاحْقَافِ وَقَدْ خَلَتِ النُّذُرُ مِنا بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِه أَلا تَعْبُدُوا إِلا اللَّهَ إِنِّى أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ * قَالُوا أَجِئْتَنَا لِتَأْفِكَنَا عَنْ ءَالِهَتِنَا فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَآ إِن كُنتَ مِنَ الصَّـادِقِينَ * قَالَ إِنَّمَا الْعِلْمُ عِندَ اللَّهِ وَأُبَلِّغُكُم مَّآ أُرْسِلْتُ بِه وَلَـاكِنِّى أَرَاـاكُمْ قَوْمًا تَجْهَلُونَ﴾.
﴿فَهَلْ عَسَيْتُمْ﴾ ؛ أي : يتوقع منكم يا من في قولهم مرض.
وبالفارسية :(بس آيا شايد وتوقع هست از شما اي منافقان).
﴿إِن تَوَلَّيْتُمْ﴾ : أمور الناس وتأمرتم عليهم ؛ أي : إن صرتم متولين لأمور الناس وولاة وحكاماً عليهم متسلطين، فتوليتم من الولاية.
﴿أَن تُفْسِدُوا فِى الارْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ﴾ تحارصاً على الملك وتهالكاً على الدنيا، فإن من شاهد أحوالكم الدالة على الضعف في الدين والحرص على الدنيا حين أمرتم بالجهاد الذي هو عبارة عن إحراز كل خير وصلاح ودفع كل شر وفساد وأنتم مأمورون شأنكم الطاعة والقول المعروف يتوقع منكم إذا أطلقت أعنتكم، وصرتم آمرين ما ذكر من الإفساد وقطع الأرحام والرحم رحم المرأة، وهو منبت الولد ووعاؤه في البطن، ثم سميت القرابة، والوصلة من جهة الولاد رحماً بطريق الاستعارة لكونهم خارجين من رحم واحد، وقرأ عليّ رضي الله عنه : إن توليتم بضم تاء وواو وكسر لام ؛ أي : ولي عليكم الظلمة ملتم معهم وعاونتموهم في الفتنة، كما هو المشاهد في هذا الإعصار.
وقال أبو حيان : الأظهر أن المعنى إن عرضتم أيها المنافقون عن امتثال أمر الله في القتال أن تفسدوا في الأرض بعدم معونة أهل الإسلام على أعدائهم وتقطعوا أرحامكم ؛ لأن من أرحامكم كثيراً من المسلمين، فإذا لم تعينوهم قطعتم أرحامكم.
﴿أولئك﴾ إشارة إلى المخاطبين بطريق الالتفات إيذاناً بأن ذكر إهانتهم أوجب إسقاطهم عن رتبة الخطاب، وحكاية أحوالهم الفظيعة لغيرهم، وهو مبتدأ خبره قوله تعالى :﴿الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ﴾ ؛ أي : أبعدهم من رحمته ﴿فَأَصَمَّهُمْ﴾ عن استماع الحق لتصامهم عنه بسوء اختيارهم.
والإصمام :(كركردن).
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٤٩٦
﴿وَأَعْمَى أَبْصَـارَهُمْ﴾ لتعاميهم عما يشاهدونه من الآيات المنصوبة في الأنفس والآفاق والإعماء :(كور كردن).
قيل : لم يقل أصم آذانهم ؛ لأنه لا يلزم من ذهاب الآذان ذهاب السماع، فلم يتعرض لها، ولم يقل أعماهم ؛ لأنه لا يلزم من ذهاب الأبصار، وهي الأعين ذهاب الأبصار.
قال سعدي المفتي : إصمام الآذان غير إذهابها، ولا يلزم من أحدهما الآخر والصمم والعمى يوصف بكل منهما الجارحة، وكذلك مقابلهما من السماع والإبصار، ويوصف به صاحبها في العرف المستمر.
وقد ورد التنزيل على الاستعمالين.
اختصر في الإصمام، وأطنب في الإعماء مع مراعاة الفواصل.
وفي الآية إشارة إلى أهل الطلب وأصحاب المجاهدة إن أعرضتم عن طلب الحق أن تفسدوا في أرض قلوبكم بإفساد استعدادها لقبول الفيض الإلهي وتقطعوا أرحامكم مع أهل الحب في الله، فتكونوا في سلك أولئك الذين، إلخ.
وهذا كما قال الجنيد قدس سره : لو أقبل صديق على الله ألف سنة، ثم أعرض عنه لحظة فإن ما فاته
٥١٧
أكثر مما ناله.
يقول الفقير : وقع لي في الحرم النبوي على صاحبه السلام : أني قعدت يوماً عند الرأس المبارك على ما هو عادتي مدة مجاورتي.
فرأيت بعض الناس يسيئون الأدب في تلك الحضرة الجليلة، وذلك من وجوه كثيرة، فغلبني البكاء الشديد، فإذا هذه الآية تقرأ على أذني أولئك الذين لعنهم الله، يعني أن المسيئين للأدب في مثل هذا المقام محرومون من درجات أهل الآداب الكرام.
وفي المثنوي :
از خدا جوييم توفيق أدب
بى أدب محروم كشت از لطف رب
بى ادب تنها نه خودرا داشت بد
بلكه آتش در همه آفاق زد
هركه بى باكى كند در راه دوست
رهزن مردان شده نامرد اوست
﴿قَالَ إِنَّمَا الْعِلْمُ عِندَ اللَّهِ وَأُبَلِّغُكُم مَّآ أُرْسِلْتُ بِه وَلَـاكِنِّى أَرَاـاكُمْ قَوْمًا تَجْهَلُونَ * فَلَمَّا رَأَوْهُ عَارِضًا مُّسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قَالُوا هَـاذَا عَارِضٌ مُّمْطِرُنَا بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُم بِه رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ * تُدَمِّرُ كُلَّ شَىْءا بِأَمْرِ رَبِّهَا فَأْصْبَحُوا لا يُرَى إِلا مَسَـاكِنُهُمْ كَذَالِكَ نَجْزِى الْقَوْمَ﴾.
﴿أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْءَانَ﴾ التدبر النظر في دبر الأمور وعواقبها ؛ أي : ألا يلاحظون القرآن، فلا يتصفحونه وما فيه من المواعظ والزواجر حتى لا يقعوا في المعاصي الموبقة ﴿أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَآ﴾، فلا يكاد يصل إليها ذكر أصلاً، وبالفارسية :(بلكه بر دلهاى ايشان است قفلهاى آن يعنى جيزى كه دلهارا بمنزلة قفلها باشد وآن ختم) :
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٤٩٦