﴿ذَالِكَ﴾ الارتداد كائن ﴿بِأَنَّهُمْ﴾ ؛ أي : بسبب أن المنافقين المذكورين.
﴿قَالُوا﴾ سراً.
﴿لِلَّذِينَ كَرِهُوا مَا نَزَّلَ اللَّهُ﴾ ؛ أي : لليهود الكارهين لنزول القرآن على رسول عليه السلام مع علمهم، بأنه من عند الله حسداً وطمعاً في نزوله عليهم.
﴿سَنُطِيعُكُمْ فِى بَعْضِ الامْرِ﴾، وهو ما أفاده قوله تعالى :﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نَافَقُوا﴾ يقولون لإخوانهم الذين كفروا من أهل الكتاب لئن أخرجتم لنخرجن معكم، ونلا نطيع فيكم أحداً أبداً، وإن قوتلتم لننصرنكم، وهم بنو قريظة والنضير الذين كانوا يوالونهم ويودونهم، وأرادوا بالبعض الذي أشاروا إلى عدم إطاعتهم فيه إظهار كفرهم وإعلان أمرهم بالفعل قبل قتالهم وإخراجهم من ديارهم، فإنهم كانوا يأبون ذلك قبل مساس الحاجة الضرورية الداعية إليه لما كان لهم في إظهار الإيمان من المنافع الدنيوية.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٤٩٦
﴿وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِسْرَارَهُمْ﴾ ؛ أي : إخفاءهم لما يقولون لليهود.
﴿فَكَيْفَ إِذَا تَوَفَّتْهُمُ الملائكة﴾ ؛ أي : يفعلون في حياتهم ما يفعلون من الحيلة، فكيف يفعلون إذا قبض أرواحهم ملك الموت وأعوانه؟ ﴿يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَـارَهُمْ﴾ بمقامع الحديد وأدبارهم وظهورهم وخلفهم.
قال الكاشفي :(مى زنند رويهاى ايشان كه از حق بكر دانيده اند ويشتهاى ايشان كه بر اهل حق كرده اند).
والجملة حال من فاعل توفتهم، وهو تصوير لتوفيهم على أهوال الوجوه وأفظعها.
وعن ابن عباس رضي الله عنهما لا يتوفى أحد على معصية إلا تضرب الملائكة وجهه ودبره.
﴿ذَالِكَ﴾ التوفي الهائل.
وبالفارسية :(اين قبض ارواح ايشان بدين وصف).
﴿بِأَنَّهُمْ﴾ ؛ أي : بسبب أنهم ﴿اتَّبَعُوا مَآ أَسْخَطَ اللَّهَ﴾ من الكفر والمعاصي، يعني :(متابعت كردند آن جيزى راكه بخشم أورد خداى تعالى را يعنى موجب غضب وى كردد).
﴿وَكَرِهُوا رِضْوَانَهُ﴾ ؛ أي : ما يرضاه من الإيمان والطاعة حيث كفروا بعد الإيمان وخرجوا عن الطاعة بما صنعوا من المعاملة مع اليهود.
﴿فَأَحْبَطَ﴾ لأجل ذلك ﴿أَعْمَـالَهُمْ﴾ التي عملوها حال إيمانهم من الطاعات، أو بعد ذلك من أعمال البر التي لو عملوها حال الإيمان لانتفعوا بها، فالكفر والمعاصي سبب لإحباط الأعمال وباعث على العذاب والنكال.
قال الإمام الغزالي رحمه الله : الفاجر تنسل روحه كالسفود من الصوف المبلول والميت الفاجر يظن أن بطنه قد ملئت شوكاً، وكان نفسه يخرج من ثقب أبرة، وكأنما السماء انطبقت على لأرض، وهو بينهما، ولهذا سئل كعب الأحبار عن الموت، فقال : كغصن شجر ذي شوك
٥١٩
أدخل في جوف رجل، فجذبه إنسان شديد البطش ذو قوة فقطع ما قطع، وأبقى ما أبقى.
وقال النبي عليه السلام :"لسكرة من سكرات الموت أمر من ثلاثمائة ضربة بالسيف وعند وقت الهلاك يطعنه الملائكة بحربة مسمومة قد سقيت سماً من نار جهنم، فتفر النفس وتنقبض خارجة فيأخذها الملك في يده، وهي ترعد أشبه شيء بالزئبق على قدر النخلة شخصاً إنسانياً يناولها الملائكة الزبانية، وهي ملائكة العذاب.
هذا حال الكافر والفاجر، وأما المؤمن المطيع، فعلى خلاف هذا ؛ لأنه أهل الرضا.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٤٩٦
قال ميمون بن مهران : شهدت جنازة ابن عباس رضي الله عنهما بالطائف، فلما وضع على المصلى ليصلى عليه جاء طائر أبيض حتى وقع على أكفانه، ثم دخل فيها، فالتمس، ولم يوجد فلما سوي عليه سمعنا صوتاً، وما رأينا شخصاً يا أيتها النفس المطمئنة ارجعي إلى ربك راضية مرضية فادخلي في عبادي وادخلي جنتي، فعلى العاقل أن يتهيأ للموت، ولا يضيع الوقت.
قال الصائب :
تراكر حاصل هست ازحيات خود غنيمت دان
كه من از حاصل دوران غم بى حاصلى دارم
﴿فَلَوْلا نَصَرَهُمُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِ اللَّهِ قُرْبَانًا ءَالِهَةَا بَلْ ضَلُّوا عَنْهُمْ وَذَالِكَ إِفْكُهُمْ وَمَا كَانُوا يَفْتَرُونَ * وَإِذْ صَرَفْنَآ إِلَيْكَ نَفَرًا مِّنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْءَانَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنصِتُوا فَلَمَّا قُضِىَ وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِم مُّنذِرِينَ * قَالُوا يا قَوْمَنَآ إِنَّا سَمِعْنَا كِتَـابًا أُنزِلَ مِنا بَعْدِ مُوسَى مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِى إِلَى الْحَقِّ وَإِلَى﴾.


الصفحة التالية
Icon