﴿إِن يَسْاَلْكُمُوهَا﴾ أَمْوَلَكُمْ * ؤإِن يَسْئَلْكُمُوهَا فَيُحْفِكُمْ تَبْخَلُواْ وَيُخْرِجْ أَضْغَنَكُمْ * هَآ أَنتُمْ هَؤُلاَءِ تُدْعَوْنَ لِتُنفِقُواْ فِى سَبِيلِ اللَّهِ فَمِنكُم مَّن يَبْخَلُ وَمَن يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَن نَّفْسِهِ وَاللَّهُ الْغَنِىُّ وَأَنتُمُ الْفُقَرَآءُ وَإِن تَتَوَلَّوْاْ يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لاَ يَكُونُواْ أَمْثَلَكُم} ؛ أي : أموالكم ﴿فَيُحْفِكُمْ﴾ ؛ أي : يجهدكم بطلب الكل.
وبالفارسية :(بس مبالغه كند درخواستن يعنى كويد همه ارا نفقه كنيد).
وذلك
٥٢٤
فإن الإحفاء والإلحاف : المبالغة بلوغ الغاية، يقال : أحفى شاربه ؛ أي : استأسله ؛ أي : قطعه من أصله.
﴿تَبْخَلُوا﴾ بها فلا تعطوا ﴿وَيُخْرِجْ﴾ ؛ أي : الله تعالى ويعضد القراءة بنون العظمة، أو البخل ؛ لأنه سبب الأضغان.
﴿أَضْغَانَكُمْ﴾ ؛ أي : أحقادكم.
وقد سبق تفسيره في السورة.
قال في "عين المعاني" ؛ أي : يظهر أضغانكم عند الامتناع.
وقال قتادة : علم الله أن ابن آدم ينقم ممن يريد ماله.
ويقال : ويخرج ما في قلوبكم من حب المال.
وهذه المرتبة لمن يوقى شح نفسه، فأما الأحرار عن رق الكونين، ومن علت رتبتهم في طلب الحق، فلا يسامحون في استبقاء ذرة ويطالبون ببذل الروح والتزام الغرامات، فإن المكاتب عبد ما بقي عليه درهم.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٤٩٦
﴿أَنتُمْ وَءَابَآؤُكُم﴾ ها : تنبيه بمعنى :(آكاه باشيد وكوش داريد).
وأنتم : كلمة على حدة وهو مبتدأ خبره قوله :﴿هَاؤُلاءِ﴾ : أي أنتم أيها المخاطبون، هؤلاء الموصوفون، يعني في قوله تعالى :﴿إِن يَسْاَلْكُمُوهَا﴾، الآية.
﴿تُدْعَوْنَ لِتُنفِقُوا فِى سَبِيلِ اللَّهِ﴾ استئناف مقرر لذلك حيث ذل على أنهم يدعون لإنفاق بعض أموالهم في سبيل الله، فيبخل ناس منهم أو صلة لهؤلاء على أنه بمعنى الذين ؛ أي : ها أنتم الذين تدعون، ففيه توبيخ عظيم وتحقير من شأنهم، والإنفاق في سبيل الله يعم نفقة الغزو والزكاة وغيرهما.
﴿مَّن يَبْخَلُ﴾ بالرفع لأن من هذه ليست بشرط أي ناس يبخلون، وهو في حيز الدليل على الشرطية الثانية كأنه قيل : الدليل عليه إنكم تدعون إلى أداء ربع العشر فمنكم ناس يبخلون به ﴿وَمَن يَبْخَلْ﴾ بالجزم ؛ لأن من شرط ﴿فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَن نَّفْسِهِ﴾ فإن كلا من نفع الإنفاق وضرر البخل عائد إليه، والبخل يستعمل بعن وعلى لتضمنه معنى الإمساك والتعدي ؛ أي : فإنما أمسك الخير عن نفسه بالبخل ﴿وَاللَّهُ الْغَنِىُّ﴾ عنكم وعن صدقاتكم دون من عداه ﴿وَأَنتُمُ الْفُقَرَآءُ﴾ إليه وإلى ما عنده من الخير، فما يأمركم به فهو لاحتياجكم إلى ما فيه من المنافع، فإن امتثلتم فلكم وإن توليتم فعليكم.
قال الجنيد قدس سره : الفقر يليق بالعبودية والغنى يليق بالربوبية، ويلزم الفقر من الفقر أيضاً، وهو الغنى التام، ولذلك قال ابن مشيش للشيخ أبي الحسن الشاذلي قدس الله سرهما : لئن لقيته بفقرك لتلقينه بالصنم الأعظم، وبتمام الفقر يصح الغنى عن الغير، فيكون متخلقاً بالغنى.
وفي "التأويلات النجمية" : والله الغني لذاته بذاته، ومن غناه تمكنه من تنفيذ مراده واستغناؤه عما سواه وأنتم الفقراء إلى الله في الابتداء ليخلقكم.
وفي الوسط ليربيكم، وفي الانتهاء ليغنيكم عن أنانيتكم ويبقيكم بهويته، فالله غني عنكم من الأزل إلى الأبد، وأنتم الفقراء محتاجون إليه من الأزل إلى الأبد :
مراورا رسد كبريا ومنى
كه ملكش قديسمت وذاتش غنى
ولما كان الله غنياً جواداً أحب أن يتخلق بأخلاقه فأمرهم بالبذل والإنفاق، فإن السخاء سائق إلى الجنة والرضى والقربة :(در خبر ست كه خالد بن وليد از سفرى بازآمد ازجانب روم وجماعتى ازايشان اسير آورده رسول عليه السلام برايشان اسلام عرضه كرد قبول نكردند بفرمود تاجند كس را ازايشان بكشتند بآخر جوانى را بياوردندكه اورابكشند خالد ميكويد تيغ بركشيدم تابزنم رسول عليه السلام كفت آن يكى رامزان يا خالد كفتم يا رسول الله درميان اين قوم هيج كس در كفر قوى ترازين جوان نبوده است رسول
٥٢٥
فرمود جبريل امده وميكويد كه اين يكى رامكش كه او درميان قوم خويش جوانمرد بوده است وجوا نمردرا كشتن روانيست آن جوان كفت جه بوده است كه مرابياران خود نرسانيديد كفتند درحق تووحى آمده است اى بشير ترا درين سراى با كافر جوانمرد عتاب نيست ومارا دران سراى با مؤمن جوا نمرد حساب نيست آن جوان كفت اكنون بدانستم كه دين شما حقست وراست ايمان برمن عرضه كنيد كه از جوانمردى من جز قوم من خبر ندا شتند اكنون يقين همى دانم كه اين سيد راست كويست أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله بس رسول خدا فرمودكه آن جوانمرد خلعت ايمان ببركت جوا نمردى يافت) :
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٤٩٦
جوانمرد اكر راست خواعى وليست
كرم بيشه شاه مردان عليست
﴿وَإِن تَتَوَلَّوْا﴾ عطف على أن تؤمنوا ؛ أي : وإن تعرضوا عن الإيمان والتقوى وعما دعاكم إليه ورغبكم فيه من الإنفاق في سبيله.
﴿يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ﴾ ؛ أي : يذهبكم ويخلق مكانكم قوماً آخرين ﴿ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثَالَكُم﴾ في التولي عن الإيمان والتقوى والإنفاق، بل يكونوا راغبين فيها وكلمة ثم للدلالة على أن مدخولها مما يستبعده المخاطب لتقارب الناس في الأحوال، واشتراك الجل في الميل إلى المال، والخطاب في تتولوا لقريش والبدل الأنصار، وهذا كقوله تعالى : فإن يكفر بها هؤلاء فقد وكلنا بها قوماً ليسوا بها بكافرين، أو للعرب والبدل : العجم وأهل فارس.
كما روي أنه عليه السلام سئل عن القوم، وكان سلمان إلى جنبه، فضرب على فخذه، فقال : هذا وقومه والذي نفسي بيده لو كان الإيمان منوطاً بالثريا ؛ أي : معلقاً بالنجم المعروف لتناوله رجال من فارس، فدل على أنهم الفرس الذين أسلموا، وفيه فضيلة لهذه القبيلة.
وفي الحديث :"خيرتان من خلقه في أرضه : قريش خيرة الله من العرب، وفارس خيرة الله من العجم"، كما في "كشف الأسرار" :(ودر لباب آوردكه أبو الدرداء رضي الله عنه بعد از فرائت اين آيت مى كفت ابشروا يا بني فروخ ومراد بارسيانند).
قال في "القاموس" : فروخ كتنور أخو إسماعيل وإسحاق أبو العجم الذين في وسط البلاد، انتهى.
وفيه إشارة إلى منقبة قوم يعرفون (بخواجكان) ونحوهم من كبار أهل الفرس وعظماء أهل الله منهم، وهم كثيرون.
ومنهم : الشيخ سعدي الشيرازي.
وقد تقطب من الفجر إلى الظهر ثم تركه باختياره على ما في "الواقعات المحمودية"، ثم هذا يدل على أنتعالى قد استبدل بأولئك الكفار غيرهم من المؤمنين.
وقيل : معناه : وإن تتولوا كلكم عن الإيمان، فحينئذٍ يستبدل غيركم.
قال تعالى :﴿وَلَوْلا أَن يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً﴾ (الزخرف : ٣٣)، الآية.
قال بعضهم : لا يستقر على حقيقة بساط العبودية إلا أهل السعادة ألا تراه يقول :﴿وَإِن تَتَوَلَّوْا﴾، الآية.
وفي الآية إشارة إلى أن الإنسان خلق ملولاً غير ثابت في طلب الحق وإن من خواصهم من يرغب في طلب الحق بالجد والاجتهاد من حسن استعداده الروحاني، ثم في أثناء السلوك بمجاهدة النفس ومخالفة هواها بظمأ النهار وسهر الليل تمل النفس من مكايده الشيطان وطلب الرحمة، فيتولى عن الطلب بالخذلان، ويبتلى بالكفران إن لم يكن معاناً بجذبة العناية وحسن الرعاية، فالله تعالى قادر على أن يستبدل به قوماً آخرين في الطلب صادقين وعلى قدم العبودية ثابتين وقد داركتهم جذبات العناية موفقين للهداية، وهم أشد رغبة وأعز رهبة منكم، ثم لا يكونوا أمثالكم في الإعراض
٥٢٦
بعد الإقبال والإنكار بعد الإقرار وترك الشكر والثناء، بل يكونوا خيراً منكم في جميع الأحوال إظهاراً للقدرة على ما يشاء والحكمة فيما يشاء كذا في "التأويلات النجمية".
٥٢٧
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٤٩٦


الصفحة التالية
Icon