وكذبهم قولهم في بعض أوليائهم بنات الله وولده.
قولهم : إن الآلهة تشفع لهم وتقربهم إلى الله وكفرهم عبادتهم تلك الأولياء وكفرانهم النعمة بنسيان المنعم الحقيقي.
وفي "التأويلات النجمية" : أن الإنسان مجبول على معرفة صانعه، وصانع العالم ومقتضى طبعه عبادة صانعه، والتقرب إليه من خصوصية فطرة الله التي فطر الناس عليها، ولكن لا عبرة بالمعرفة الفطرية والعبادة الطبيعية ؛ لأنها مشوبة بالشركة لغير الله ؛ ولأنها تصدر من نشاط النفس واتباع هواها، وإنما تعتبر المعرفة الصادرة عن التوحيد الخالص ومن أماراتها قبول دعوة الأنبياء والإيمان بهم، وبما أنزل عليهم من الكتب ومخالفة الهوى والعبادة على وفق الشرع لا على وفق الطبع، والتقرب إلى الله بأداء ما افترض الله عليهم ونافلة قد استن النبي صلى الله عليه وسلّم بها، أو بمثلها، فإنه كان من طبع إبليس السجودولما أمر بالسجود على خلاف طبعه أبى واستكبر، وكان من الكافرين بعد أن كان من الملائكة المقربين.
وكذلك حال الفلاسفة ممن لا يتابع الأنبياء منهم ويدعي معرفة الله ويتقرب إلى الله بأنواع العلوم، وأصناف الطاعات والعبادات بالطبع لا بالشرع، ومتابعة الهوى لا بأمر المولى، فيكون حاصل أمره ما قاله تعالى، ﴿وَقَدِمْنَآ إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَـاهُ هَبَآءً مَّنثُورًا﴾ (الفرقان : ٢٣)، فاليوم كل مدع يدعي حقيقة ما عنده من الدين والمذهب على اختلاف طبقاتهم، فالله تعالى يحكم بينهم في الدنيا والآخرة.
أما في الدنيا فيحق الحق باتساع صدور أهل الحق بنور الإسلام وبكتابة الإيمان في قلوبهم وتأييدهم بروح منه، وكشف شواهد الحق عن أسرارهم وتجلي صفات جماله وجلاله لأرواحهم، ويبطل الباطل
٧١
بتضييق صدور أهل الأهواء والبدع وقسوة قلوبهم وعمى أسرارهم وبصائرهم وغشاوة أرواحهم بالحجب.
وأما في الآخرة فتبييض وجوه أهل الحق وإعطاء كتابهم باليمين وتثقيل موازينهم وجوازهم على الصراط وسعي نورهم بين أيديهم وإيمانهم ودخول الجنة ورفعتهم في الدرجات، وبتسويد وجوه أهل الباطل، وإيتاء كتبهم بالشمال ومن وراء ظهورهم، وتخفيف موازينهم، وزلة أقدامهم على الصراط، ودخول النار ونزولهم في الدركات، وبقوله :﴿إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِى مَنْ هُوَ كَـاذِبٌ كَفَّارٌ﴾.
يشير إلى تهديد من يتعرض لغير مقامه ويدعي رتبة ليس بصادق فيها، فالله لا يهديه قط إلى ما فيه سداده ورشده وعقوبته أن يحرمه تلك الرتبة التي تصدى لها بدعواه قبل تحققه بوجودها.
قال الحافظ :
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٦٨
كرانكشست سليماني نباشد
جه خاصيت دهد نقش نكينى
خدازان خرقه بيزارست صدبار
كه صد بت ماندش در آستينى
ومن الله العصمة من الدعوى قبل التحقق بحقيقة الحال، وهو المنعم المتعال.
﴿لَّوْ أَرَادَ اللَّهُ أَن يَتَّخِذَ وَلَدًا﴾.
كما زعم المشركون بأنتعالى اتخذ ولداً.
﴿اصْطَفَى﴾ لاتخذ واختار.
﴿مِمَّا يَخْلُقُ﴾ ؛ أي : من جنس مخلوقاته.
﴿مَا يَشَآءُ﴾.
ولم يخص مريم ولا عيسى ولا عزيراً بذلك ولخلق جنساً آخر أعز وأكرم مما خلق، واتخذه ولداً لكنه لا يفعله لامتناعه والممتنع لا تتعلق به القدرة والإرادة، وإنما أمره اصطفاء من شاء من عباده وتقريبهم منه، وقد فعل ذلك الملائكة وبعض الناس كما قال الله تعالى :﴿اللَّهُ يَصْطَفِى مِنَ الملائكة رُسُلا وَمِنَ النَّاسِ﴾ (الحج : ٧٥)، ولذا وضع الاصطفاء مكان الاتخاذ.
وقال بعضهم : معناه لو اتخذ من خلقه ولداً لم يتخذه باختيارخم، بل يصطفي من خلقه من يشاء.
وقال الكاشفي :(هر آينه اختيار كردى از آنجه مى آفريند آنجه خواستى از اعزاشيا واحسن آن واكمل كه بنون اندنه از نقص كه بتانند اما مخلوق مماثل خالق نيست وميان والد ومولود مجانست شرط است بس اورا فرزند نبود).
﴿سُبْحَـانَهُ﴾ مصدر من سبح إذا بعد ؛ أي : تنزه تعالى بالذات عن ذلك الاتخاذ وعما نسبوا إليه من الأولاد والأولياء وعلم للتسبيح مقول على ألسنة العباد ؛ أي : أسبحه تسبيحاً لائقاً به أو سبحوه تسبيحاً حقيقياً بشأنه.
﴿هُوَ﴾ : مبتدأ خبره.
قوله :﴿اللَّهَ﴾ المتصف بالألوهية.
﴿الْوَاحِدُ﴾ الذي لا ثاني له والولد ثاني والده وجنسه وشبهه.
وفي "بحر العلوم" : واحد ؛ أي : موجود جلّ عن التركيب والمماثلة ذاتاً وصفة، فلا يكون له ولد ؛ لأنه يماثل الوالد في الذات والصفات.
﴿الْقَهَّارُ﴾ الذي بقهاريته لا يقبل الجنس والشبه بنوع ما.
وفي "الإرشاد" : قهار لكل الكائنات كيف يتصور أن يتخذ من الأشياء الفانية ما يقوم مقامه.


الصفحة التالية
Icon