جزء : ٨ رقم الصفحة : ٦٨
وفي "التأويلات النجمية" ؛ أي : أنا خلقتكم وأنا صورتكم، وأنا الذي أسبغت عليكم إنعامي وخصصتكم بجميع إكرامي وغرقتكم في بحار أفضالي وعرفتكم استحقاق شهود جمالي وجلالي وهديتكم إلى توحيدي وأدعوكم إلى وحدانيتي، فما لكم لا تنطقون إلي بالكلية وما لكم لا تطلبون مني ولا تطلبونني، وقد بشرتكم بقولي ألا من طلبني وجدني ومن كان لي كنت له ومن كنت له يكون له ما كان لي.
﴿لَهُ الْمُلْكُ﴾ على الإطلاق في الدنيا والآخرة ليس لغيره شركة في ذلك بوجه من الوجوه.
وبالفارسية :(مرورا بادشاهى مطلق كه زوال وفنا بدوراه نيابد).
وقال بعض الكبار : له ملك القدرة على تبليغ العباد إلى المقامات العلية والكرامات السنية، فينبغي للعبد أن لا يقنط، فإن الله تعالى قادر ليس بعاجز وبالجملة خبر آخر وكذا قوله تعالى :﴿لا إله إِلا هُوَ﴾ (نيست معبودى بسزا مكرا) وفكما أن لا معبود إلا هو، فكذا لا مقصود، بل لا موجود إلا هو، فهو الوجود المطلق والهوية المطلقة والواحدة الذاتية.
﴿فَأَنَّى تُصْرَفُونَ﴾ ؛ أي : فكيف، ومن أي وجه تصرفون وتردون عن ملازمة بابه بالعبودية إلى باب عاجز مثلكم من الخلق ؛ أي : عن عبادته تعالى إلى عبادة الأوثان مع وفور موجباتها ودواعيها وانتفاء الصارف عنها بالكلية إلى عبادة غيره من غير داع إليها من كثرة الصوارف عنها.
قال علي كرم الله وجهه : قيل للنبي عليه السلام : هل عبدت وثناً قط.
قال : لا، قيل : هل شربت خمراً.
قال : لا وما زلت أعرف أن الذي هم ؛ أي : الكفار عليه من عبادة الأوثان ونحوها، كفر وما كنت أدري ما الكتاب ولا الإيمان"، فأدلة العقل وحدها كافية في الحكم ببطلان عبادة غير الله، فكيف وقد انضم إليها أدلة الشرع، فلا بد من الرجوع إلى باب الله تعالى، فإنه المنعم الحقيقي والعبودية له ؛ لأنه
٧٥
الخالق.
قال أبو سعيد الخراز قدس سره : العبودية ثلاثة : الوفاءعلى الحقيقة ومتابعة الرسول في الشريعة والنصيحة لجماعة الأمة.
واعلم أن العبادة، هي المقصود من خلق الأشياء كما قال الله تعالى :﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالانسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ﴾ (الذاريات : ٥٦) سواء فسرت العبادة بالمعرفة أم لا إذ لا يتكون المعرفة الحقيقية إلا من طريق العبادة.
وعن معاذ رضي الله عنه، قال : قلت : يا رسول الله أخبرني بعمل يدخلني الحنة ويباعدني من النار.
قال :"لقد سألت عن عظيم، وإنه يسير على من يسر الله تعالى تعبد الله لا تشرك به شيئاً، وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحج البيت، ثم قال : ألا أدلك على أبواب الخير : الصوم جنة والصدقة تطفىء الخطيئة كما تطفأ النار بالماء، وصلاة الرجل في جوف الليل".
ثم تلا :﴿تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ﴾ (السجدة : ١٦) الآية.
ثم قال : ألا أخبرك برأس الأمر وعموده وذورة سنامه : الجهاد".
ثم قال :"ألا أخبرك بملاك ذلك كله".
قلت : بلى يا رسول الله، فأخذ بلسانه.
وقال :"كف عليك هذا".
قلت : يا نبي الله وإنا المؤاخذون بما نتكلم به فقال :"ثكلتك أمك، وهل يكب الناس في النار على وجوههم أو على مناخرهم إلا حصائد ألسنتهم" :
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٦٨
تراديده درسر نهادند وكوش
دهن جاى كفتار ودل جاى هوش
مكر بازدانى نشيب ازفراز
نكويى كه اين كوته است آن دراز
﴿إِن تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِىٌّ عَنكُمْ وَلا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَا وَإِن تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ثُمَّ إِلَى رَبِّكُم مَّرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَا إِنَّه عَلِيمُا بِذَاتِ الصُّدُورِ * وَإِذَا مَسَّ الانسَـانَ ضُرٌّ دَعَا رَبَّه مُنِيبًا إِلَيْهِ ثُمَّ إِذَا خَوَّلَه نِعْمَةً مِّنْهُ نَسِىَ مَا كَانَ يَدْعُوا إِلَيْهِ مِن قَبْلُ وَجَعَلَ لِلَّهِ أَندَادًا لِّيُضِلَّ عَن سَبِيلِه قُلْ تَمَتَّعْ بِكُفْرِكَ قَلِيلا إِنَّكَ﴾.
﴿إِن تَكْفُرُوا﴾ به تعالى بعد مشاهدة ما ذكر من فنون نعمائه ومعرفة شؤونه العظيمة الموجبة للإيمان والشكر.
والخطاب لأهل مكة كما في "الوسيط".
والظاهر التعميم لكل الناس كما في قوله تعالى :﴿إِن تَكْفُرُوا أَنتُمْ وَمَن فِى الارْضِ جَمِيعًا﴾ (إبراهيم : ٨).
﴿فَإِنَّ اللَّهَ غَنِىٌّ عَنكُمْ﴾ وعن العالمين ؛ أي : فاعلموا أنه تعالى غني عن إيمانكم وشكركم غير متأثر من انتفائهما، والغني هو الذي يستغني عن كل شيء لا يحتاج إليه لا في ذاته ولا في صفاته ؛ لأنه الواجب من جميع جهاته.
﴿وَلا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ﴾، وإن تعلقت به إرادته تعالى من بعضهم ؛ أي : عدم رضاه بكفر عباده لأجل منفعتهم ودفع مضرتهم رحمة عليهم لا لتضرره به تعالى.
وإنما قيل لعباده لا لكم لتعميم الحكم للمؤمنين والكافرين وتعليله بكونهم عباده.