واعلم أن الشكر سبب الرضوان ألا ترى إلى قوله تعالى ﴿وَإِن تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ﴾، ولشرف الشكر أمر أنبياءه، فقال لموسى فخذ ما آتيتك، وكن من الشاكرين.
روي : أنه أخذ التوراة، وهي خمسة ألواح أو تسعة من الياقوت، وفيها مكتوب يا موسى من لم يصبر على قضائي، ولم يشكر نعمائي، فليطلب رباً سواي.
وكان الأنبياء لمعرفتهم لفضل الشكر يبادرون إليه.
روي : أنه عليه السلام لما تورمت قدماه من قيام الليل ؛ أي : انتفختا من الوجع الحاصل من طول القيام في الصلاة.
قالت عائشة ـ ـ رضي الله عنها ـ ـ.
أليس قد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر، فقال عليه السلام : أفلا أكون عبداً شكوراً ؛ أي : مبالغاً في شكر ربي.
وفي ذلك تنبيهه على كمال فضل قيام الليل حيث جعله النبي عليه السلام شكراً لنعمته تعالى، ولا يخفى أن نعمه عظيمة وشكره أيضاً عظيم، فإذا جعل النبي عليه السلام قيام الليل شكراً لمثل هذه نعم الجليلة ثبت أنه من أعظم الطاعات، وأفضل العبادات.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٦٨
وفي الحديث صلاة في مسجدي هذا أفضل من عشرة آلاف في غيره إلا المسجد الحرام، وصلاة في المسجد الحرام أفضل من مائة ألف صلاة في غيره، ثم قال :"ألا أدلكم على ما هو أفضل من ذلك"، قالوا : نعم.
قال :"رجل قام في سواد الليل فأحسن الوضوء وصلى ركعتين يريد بهما وجه الله تعالى".
وعن عائشة رضي الله عنها أن النبي عليه السلام كان إذا فاته قيام الليل بعذر قضاه ضحوة ؛ أي : من غير وجوب عليه، بل على طريق الاحتياط، فإن الورد الملتزم إذا فات عن محله يلزم أن يتدارك في وقت آخر حتى يتصل الأجر ولا ينقطع الفيض، فإنه بدوام التوجه يحصل دوام العطاء وشرط عليه السلام إرادة وجه الله تعالى، فإنه تعالى لا يقبل ما كان لغيره ولذا وعدوا وعداً بقوله : إنه عليم بذات الصدور، فمن اشتمل صدره على الخلوص تخلص من يد، ومن اشتمل على الشرك والرياء وجد الله عند عمله فوفاه حسابه :
اكر جز بحق ميرود جاده ات
در آتش فشانند سجاده ات
اكر جانب حق ندارى نكاه
بكويى بروز اجل آه آه
جه وزن آورد جايى ابنان باد
كه ميزان عدلست وديوان داد
مرايى كه جندان عمل مى نمود
بديدند هيجش در انبان نبوت
منه آب روى ريارا محل
كه اين آب در زير دارد وحل
جعلنا الله وإياكم من الصالحين الصادقين والمخلصين في الأقوال والأفعال والأحوال دون الفاسقين الكاذبين المرائين آمين يا كريم العفو كثير النوال.
﴿إِن تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِىٌّ عَنكُمْ وَلا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَا وَإِن تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ثُمَّ إِلَى رَبِّكُم مَّرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَا إِنَّه عَلِيمُا بِذَاتِ الصُّدُورِ * وَإِذَا مَسَّ الانسَـانَ ضُرٌّ دَعَا رَبَّه مُنِيبًا إِلَيْهِ ثُمَّ إِذَا خَوَّلَه نِعْمَةً مِّنْهُ نَسِىَ مَا كَانَ يَدْعُوا إِلَيْهِ مِن قَبْلُ وَجَعَلَ لِلَّهِ أَندَادًا لِّيُضِلَّ عَن سَبِيلِه قُلْ تَمَتَّعْ بِكُفْرِكَ قَلِيلا إِنَّكَ مِنْ أَصْحَـابِ النَّارِ * أَمَّنْ هُوَ قَـانِتٌ ءَانَآءَ الَّيْلِ سَاجِدًا وَقَآاـاِمًا يَحْذَرُ الاخِرَةَ وَيَرْجُوا رَحْمَةَ رَبِّه قُلْ هَلْ يَسْتَوِى الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَا إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الالْبَـابِ﴾.
﴿وَإِذَا مَسَّ الانسَـانَ ضُرٌّ﴾ أصابه ووصل إليه سوء حال من فقر أو مرض أو غيرهما.
وبالفارسية :(وجون آنكاه كه برسيد ايشانرا سختى).
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٦٨
قال الراغب : المس، يقال : في كل ما ينال الإنسان من أذى والضر يقابل بالسراء والنعماء والضرر وبالنفع ﴿دَعَا رَبَّهُ﴾ في كشف ذلك الضر حال كونه ﴿مُنِيبًا إِلَيْهِ﴾ راجعاً إليه مما كان يدعوه في حالة الإنابة إلى الله، والرجوع إليه بالتوبة وإخلاص العمل والنوب رجوع الشيء مرة بعد أخرى.
وهذا وصف للجنس بحال بعض أفراده كقوله تعالى :﴿إِنَّ الانسَـانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ﴾ (إبراهيم : ٣٤)، وفيه إشارة إلى أن من طبيعة الإنسان أنه إذا مسه ضر
٧٨
خشع وخضع، وإلى ربه فزع وتملق بين يديه وتضرع.
وفي المثنوي :
بندمى نالد بحق ازدر دونيش
صد شكايت ميكند از رنج خويش
حق همى كويد كه آخر رنج ودرد
مر ترا لابه كان او راست كرد
در حقيقت هر عدد را روى تست
كيميا ونافع دلجوى تست
كه از واندر كريزى درخلا
استعانت جويى از لطف خدا
در حقيقت دوستان دشمن اند
كه زحضرت دور مشغولت كنند