﴿ثُمَّ إِذَا خَوَّلَه نِعْمَةً مِّنْهُ﴾ ؛ أي : أعطاه نعمة عظيمة من جنابه تعالى، وأزال عنه ضره وكفاه أمره وأصلح باله، وأحسن حاله من التخول، وهو التعهذ ؛ أي : المحافظة والمراعاة ؛ أي : جعله خائل مال من قولهم فلان خائل ماله إذا كان متعهداً له حسن القيام به، ومن شأن الغني الجواد أن يراعي أحوال الفقراء أو من الخول، وهو الافتخار، لأن الغني يكون متكبراً طويل الذيل ؛ أي : جعله يخول ؛ أي : يختال ويفتخر بالنعمة.
﴿نَسِىَ مَا كَانَ يَدْعُوا إِلَيْهِ﴾ ؛ أي : نسي الضر الذي كان يدعو الله إلى كشفه.
﴿مِن قَبْلِ﴾ ؛ أي : من قبل التخويل كقوله تعالى : مر كألم يدعنا إلى ضر مسه أو نسي ربه الذي كان يدعوه ويتضره إليه إما بناء على أن ما بمعنى من كما في قوله تعالى :﴿وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالانثَى﴾ (الليل : ٣)، وإما إيذاناً بأن نسيانه بلغ إلى حيث لا يعرف مدعوه ما هو فضلاً عن أن يعرفه من هو، فيعود إلى رأس كفرانه وينهمك في كبائر عصيانه ويشرك بمعبوده ويصر على جحوده، وذلك لكون دعائه المحسوس معلولاً بالضرالممسوس لا ناشئاً عن الشوق إلى الله المأنوس.
وفي المثنوي :
آن ندامت از نتيجه رنج بود
نى زعقل روشن جون كنج بود
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٦٨
جونكه شد ربح آن ندامت شد عدم
مى نيرز دخاك آن توبه ندم
ميكند او توبه وبير خرد

بابك لو ردوا لعادوامى زند


وفي "عرائس البقلي" : وصف الله أهل الضعف من اليقين إذا مسه ألم امتحانه دعاه بغير معرفته، وإذا وصل إليه نعمته احتجب بالنعمة عن المنعم، فبقي جاهلاً من كلا الطريقين لا يكون صابراً في البلاء ولا شاكراً في النعماء، وذلك من جهله بربه ولو أدركه بنعت المعرفة وحلاوة المحبة لبذل له نفسه حتى يفعل به ما يشاء.
وقال بعضهم : أقل العبيد علماً ومعرفة أن يكون دعاؤه لربه عند نزول ضر به، فإن من دعاه بسبب أو لسبب فذلك دعاء معلول مدخول حتى يدعوه رغبة في ذكره وشوقاً إليه.
وقال الحسين : من سني الحق عند العوافي لم يجب الله دعاءه عند المحن والاضطرار، ولذلك قال النبي عليه السلام لعبد الله بن عباس رضي الله عنهما :"تعرف إلى الله في الرخاء يعرفك في الشدة".
وقال النهر جوري : لا تكون النعمة التي تحمل صاحبها إلى نسيان المنعم نعمة، بل هي إلى النقم أقرب.
اين كله زان نعمتي كن كنت زند
ازدرما دور مطر ودت كند
شركاء في العبادة ؛ أي : رجع إلى عبادة الأوثان جمع ند، وهو يقال : لما يشارك في الجوهر فقط كما في "المفردات".
وقال في "بحر العلوم" : هو المثل المخالف ؛ أي : أمثالاً يعتقد أنها قادرة على مخالفة الله ومضادته.
﴿لِّيُضِلَّ﴾ الناس بذلك يعني :(تاكمراه كندمر دمانرا).
٧٩
﴿عَن سَبِيلِهِ﴾ الذي هو التوحيد.
والسبيل : من الطرق ما هو معتاد السلوك استعين للتوحيد، لأنه موصل إلى الله تعالى ورضاه قرى ليضل بفتح الياء ؛ أي : ليزداد ضلالاً، أو يثبت عليه، وإلا فأصل الضلال غير متأخر عن الجعل المذكور.
واللام : لام العاقبة، فإن النتيجة قد تكون غرضاً في الفعل، وقد تكون غير غرض والضلال والإضلال ليسا بغرضين، بل نتيجة الجعل وعاقبته.
﴿قُلْ﴾ الأمر الآتي للتهديد كقوله :﴿اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ﴾ (فصلت : ٤٠)، فالمعنى : قل يامحمد تهديداً لذلك الضال المضل وبياناً لحاله ومآله.
وفي "التأويلات النجمية" : قل للإنسان الذي هذه طبيعته في السراء والضراء.
﴿تَمَتَّعْ بِكُفْرِكَ قَلِيلا﴾ ؛ أي : تمتعاً قليلاً، فهو صفة مصدر محذوف، أو زماناً قليلاً، فهو صفة زمان محذوف يعني :(ازمتمتعات بهرجه خواهى اشتغال كن در دنيا تاوقت مرك والتمتع برخوردارى كرفتن)، يعني : الانتفاع.
﴿إِنَّكَ مِنْ أَصْحَـابِ النَّارِ﴾ في الآخرة ؛ أي : من ملازميها والمعذبين فيها على الدوام :(ولذتهاى دنيا درجنب شدت عذاب دوزخ بغايت محقراست).
وهو تعليل لقلة التمتع.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٦٨
وفيه من الإقناط من النجاة ما لا يخفى كأنه قيل، وإذ قد أبيت قبول ما أمرت به من الإيمان والطاعة، فمن حقك أن تؤمر بتركه لتذوق عقوبته.
وفيه إشارة إلى أن من صاحب في الدنيا أهل النار وسلك على إقدام مخالفات المولى وموافقات الهوى طريق الدركات السفلى، وهو صاحب النار وأهلها، وإلى أن عمر الدنيا قليل، فكيف بعمر الإنسان، وأن التمتع بمشتهيات الدنيا لا يغني عن الإنسان شيئاً، فلا بد من الانتباه قبل نداء الأجل.
وصلى أبو الدرداء رضي الله عنه في مسجد دمشق، ثم قال : يا أهل دمشق ألا تستحيون إلى متى تؤمّلون ما لا تبلغون وتجمعون ما لا تأكلون وتبنون ما لا تسكنون إن من كان قبلكم أمّلوا بعيداً وبنوا مشيداً وجمعوا كثيراً، فأصبح أملهم غروراً وجمعهم بوراً ومساكنهم قبوراً.


الصفحة التالية
Icon