وفي "بحر العلوم" : الفعل منزل منزلة اللازم ولم يقدّر له مفعول، لأن المقدر كالمذكور.
والمعنى : لا يستوي من يوجد فيه حقيقة العلم ومن لا يوجد.
﴿إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الالْبَـابِ﴾ كلام مستقل غير داخل في الكلام المأمور به وارد من جهته تعالى ؛ أي : إنما يتعظ بهذه البيانات الواضحة أصحاب العقول الخالصة من شوائب الخلل والوهم.
وهؤلاء
٨١
بمعزل عن ذلك.
قيل : قضية اللب الاتعاظ بالآيات، ومن لم يتعظ، فكأنه لا لب له ومثله مثل البهائم.
وفي "المفردات" : اللب العقل الخالص من الشوائب وسمي بذلك، لكونه خالص ما في الإنسان من قواه كاللباب من الشيء.
وقيل : هو ما زكا من العقل، فكل لب عقل، وليس كل عقل لباً.
ولذا علق الله تعالى الأحكام التي لا تدركها إلا العقول الزكية بأولي الألباب نحو قوله :﴿وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِىَ خَيْرًا كَثِيرًا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُوْلُوا الالْبَـابِ﴾.
ونحو ذلك من الآيات.
انتهى.
وفي "التأويلات النجمية" :﴿هَلْ يَسْتَوِى الَّذِينَ يَعْلَمُونَ﴾ قدر جوار الله وقربته ويختارونه على الجنة ونعيمها.
﴿وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ﴾ قدر جوار الله وقربته ويختارونه على الجنة ونعيمها، ﴿وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ﴾ قدره.
﴿إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ﴾ حقيقة هذا المعنى ﴿أُوْلُوا الالْبَـابِ﴾.
وهم الذين انسخلوا من جلد وجودهم بالكلية، وقد ماتوا عن أنانيتهم وعاشوا بهويته، انتهى.
وفي الآية بيان لفضل العلم وتحقير للعلماء الغير العاملين فهم عند الله جهلة حيث جعل القانتين هم العلماء.
قال الشيخ السهروردي في عوارف المعارف : أرباب الهمة أهل العلم الذين حكم الله تعالى لهم بالعلم في قوله تعالى :﴿أَمَّنْ هُوَ قَـانِتٌ ءَانَآءَ الَّيْلِ﴾ إلى قوله :﴿قُلْ هَلْ يَسْتَوِى﴾ إلخ.
حكم لهؤلاء الذين قاموا بالليل بالعلم فهم لموضع علمهم أزعجوا النفوس عن مقار طبيعتها ورقوها بالنظر إلى اللذات الروحانية إلى ذرى حقيقتها، فتجافت جنوبهم عن المضاجع وخرجوا من صفة الغافل الهاجع.
انتهى.
وفي الحديث :"يشفع يوم القيامة ثلاث : الأنبياء ثم العلماء ثم الشهداء".
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٦٨
وقال ابن عباس رضي الله عنهما :"خير سليمان بن داود عليهما السلام بين العلم والمال والملك، فاختار العلم فأعطي المال والملك.
وفي الخبر "إن الله تعالى أرسل جبرائيل إلى آدم عليهما السلام بالعقل والحياء والإيمان، فخيره بينهن، فاختار العقل، فتبعاه.
وفي بعض الروايات أرسل بالعلم والحياء والعقل، فاستقر العلم في القلب، والحياء في العين والعقل في الدماغ.
وفي الحديث :"من أحب أن ينظر إلى عتقاء الله من النار، فلينظر إلى المتعلمين فوالذي نفسي بيده ما من متعلم يختلف إلى باب العلم.
إلا كتب الله له بكل قدم عبادة سنة وبنى له بكل قدم مدينة في الجنة ويمشي على الأرض تستغفر له، ويستغفر له كل من يمشي على الأرض ويمسي ويصبح مغفور الذنب وشهدت الملائكة هؤلاء عتقاء الله من النار".
وذكر أن شرف العلم فوق شرف النسب، ولذا قيل : إن عائشة رضي الله عنها أفضل من فاطمة رضي الله عنها، ولعله المراد بقول الأمالي :()
وللصدّيقة الرجحان فاعلم
على الزهراء في بعض الخصال
لأن النبي عليه السلام، قال :"خذوا ثلثي دينكم من عائشة".
وأما أكثر الخصال، فالرجحان للزهراء على الصدّيقة كما دل عليه قوله عليه السلام :"كمل من الرجال كثير ولم يكمل من النساء غير مريم بنت عمران وآسية امرأة فرعون وخديجة بنت خويلد وفاطمة بنت محمد".
وفي الحديث :"طلب العلم فريضة على كل مسلم".
قال في "الإحياء" : اختلف الناس في العلم الذي هو فرض على كل مسلم.
فقال المتكلمون : هو علم الكلام إذ به يدرك التوحيد ويعلم ذات الله وصفاته.
وقال الفقهاء : هو علم الفقه إذ به يعرف العبادات والحلال والحرام.
وقال المفسرون والمحدثون : هو علم الكتاب والسنة إذ بهما يتوصل العلوم كلها.
وقال المتصوفة : هو علم التصوّف إذ به يعرف العبد مقامه من الله تعالى.
وحاصله : إن كل فريق نزل الوجوب على العلم الذي هو بصدده قوله :"على كل مسلم" ؛
٨٢
أي : مكلف ذكراً كان أو أنثى.
قال في "شرح الترغيب" مراده علم ما لا يسع الإنسان جهله كالشهادة.
باللسان والإقرار بالقلب واعتقاد أن البعث بعد الموت ونحوه حق وعلم ما يجب عليه من العبادات، وأمر معايشه كالبيع والشراء، فكل من اشتغل بأمر شرعيّ يجب طلب علمه عليه مثلاً إذا دخل وقت الصلاة تعين عليه أن يعرف الطهارة وما يتيسر من القرآن، ثم تعلم الصلاة وإن أدركه رمضان وجب عليه أن ينظر في علم الصيام، وإن أخذه الحج وجب عليه حينئذ علمه، وإن كان له مال.
وحال عليه الحول تعين عليه علم زكاة ذلك الصنف من المال لا غير، وإن باع أو اشترى وجب عليه علم البيوع والمصارفة.
وهكذا سائر الأحكام لا يجب عليه إلا عند ما يتعلق به الخطاب.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٦٨