فإن قيل : يضيق الوقت على نيل علم ما خوطب به في ذلك الوقت.
قلنا : لسنا نريد عند حلول الوقت المعين، وإنما نريد بقربه بحيث أن يكون له من الزمان بقدر ما يحصل ذلك العلم المخاطب به وليدخل عقيبه وقت العمل وهذا المذكور هو المراد بعلم الحال، فعلم الحال بمنزلة الطعام لا بدّ لكل أحد منه وعلم ما يقع في بعض الأحايين بمنزلة الدواء يحتاج إليه في بعض الأوقات.
وقال في "عين العلم" : المراد المكاشفة فيما ورد :"فضل العالم على العابد كفضلي على أمتي"، إذ غيره وهو علم المعاملة تبع للعمل لثبوته شرطاً له، وكذا المراد المعاملة القلبية الواجبة فيما ورد :"طلب العلم فريضة على كل مسلم" ؛ أي : يفترض عليه علم أحوال القلب من التوكل والإنابة والخشية والرضا، فإنه واقع في جميع الأحوال وكذلك في سائر الأخلاق نحو الجود والبخل والجبن والجراءة والتكبر والتواضع والعفة والشره والإسراف والتقتير وغيرها.
ويمتنع أن يراد غير هذه المعاملات، أما التوحيد فللحصول، وأما الصلاة فلجواز أن يتأهلها شخص وقت الضحى بالإسلام، أو البلوغ، ومات قبل الظهر، فلا يفترض عليه طلب علم تلك الصلاة، فلا يستقيم العموم المستفاد من لفظه كل، وكذا المراد علم الآخرة مطلقاً ؛ أي : مع قطع النظر عن المعاملة والمكاشفة فيما ورد :﴿قُلْ هَلْ يَسْتَوِى الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ﴾، لئلا يفضل علماء الزمان على الصحابة، فمجادلة الكلام والتعمق في فتاوى ندر وقوعها محدث.
وبالجملة علم التوحيد أشرف العلوم لشرف معلومه، وكل علم نافع، وإن كان له مدخل في التقرب إلى الله تعالى إلا أن القربة التامة، إنما هي بالعلم الذي اختاره الصوفية المحققون على ما اعترف به الإمام الغزالي رحمه الله في "منقذ الضلال".
وكان المتورعون من علماء الظاهر يعترفون بفضل أرباب القلوب ويختلفون إلى مجالسهم.
وسأل بعض الفقهاء أبا بكر الشبلي قدس سره اختباراً لعلمه.
وقال كم في خمس من الإبل، فقال : أما الواجب فشاة وأما عندنا فكلها، فقال : وما دليلك فيه.
قال أبو بكر رضي الله عنه : حين خرج عن جميع مالهولرسوله، فمن خرج عن ماله كله فإمامه أبو بكر رضي الله عنه، ومن ترك بعض فإمامه عمر رضي الله عنه، ومن أعطىومنعفإمامه عثمان رضي الله عنه، ومن ترك الدنيا لأهلها، فإمامه علي رضي الله عنه، فكل علم لا يدل على ترك الدنيا، فليس بعلم، وقد قال عليه السلام :"أعوذ بك من علم لا ينفع"، وهو العلم الذي يمنع صاحبه عن المنهي ولا يجره إلى المأمور به.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٦٨
وفي "كشف الأسرار" :(علم سه است علم خبري وعلم الهامي وعلم غيبي.
علم خبرى كشها شنود.
وعلم الهامى دلها شنود.
وعلم غيبي جانها شنود.
علم خبري
٨٣
بروايت است.
علم الهامى بهدايت است.
علم غيبى بعنايت است.
علم خبرى را كفت ﴿فَاعْلَمْ أَنَّه لا إله إِلا اللَّهُ﴾ (محمد : ١٩) "فقدم العلم لأنه إمام العمل" علم الهامى راكفت ﴿إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِن قَبْلِهِ﴾ (الإسراء : ١٠٧) علم غيبي راكفت ﴿وَعَلَّمْنَـاهُ مِن لَّدُنَّا عِلْمًا﴾ (الكهف : ٦٥) ووراى ابن همه است كه وهم آدمي بدان نرسد وفهم ازان درماند).
وذلك علم الله عز وجل بنفسه على حقيقته.
قال الله تعالى :﴿وَلا يُحِيطُونَ بِه عِلْمًا﴾ (الكهف : ١١٠).
قال الشبلي قدس سره : العلم خبر والخبر جحود وحقيقة العلم عندي بعد أقوال المشايخ الاتصاف بصفة الحق من حيث علمه حتى يعرف ما في الحق.
وقال بعض الكبار : المقامات كلها علم والعلم حجاب ؛ أي : ما لم يتصل بالمعلوم ويفنى فيه، وكذا الاشتغال بالقوانين والعلوم الرسمية حجاب مانع عن الوصول، وذلك لأن العلم الإلهي الذي يتعلق بالحقائق الإلهية لا يحصل إلا بالتوجه والافتقار التام وتفريغ القلب وتعريته بالكلية عن جميع المتعلقات الكونية بالعلوم والقوانين السمية، وأما علم الحال فمن مقدمات السلوك فحجبه مانع لا هو نفسه وعينه، ولا يدعي أحد أن العلم مطلقاً حجاب، وكيف يكون حجاباً، وهو سبب الكشف والعيان لا بد من فنائه في وجود العالم وفناء ما يقتضيه من الافتخار والتكبر والازدراء بالغير ونحوها، ولكون بقائه حجاباً قلما سلك العلماء بالرسوم نسأل الله سبحانه أن يزين ظواهرنا بالشرائع والأحكام وينور بواطننا بأنواع العلوم والإلهام، ويجعلنا من الذين يعلمون وهم الممدوحون لا من الذين لايعلمون وهم المذمومون آمين، وهو المعين.