﴿أَفَمَنْ حَقَّ عَلَيْهِ كَلِمَةُ الْعَذَابِ أَفَأَنتَ تُنقِذُ مَن فِى النَّارِ * لَـاكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوا رَبَّهُمْ لَهُمْ غُرَفٌ مِّن فَوْقِهَا غُرَفٌ مَّبْنِيَّةٌ تَجْرِى مِن تَحْتِهَا الانْهَـارُا وَعْدَ اللَّه لا يُخْلِفُ اللَّهُ الْمِيعَادَ * أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنزَلَ مِنَ السَّمَآءِ مَآءً فَسَلَكَه يَنَـابِيعَ﴾.
﴿لَـاكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوا رَبَّهُمْ﴾.
(ليكن آنانكه بترسيدند از عذاب بروردكار خويش وبإيمان وطاعت متصف شدند).
وفي "التأويلات النجمية" :﴿لَـاكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوا رَبَّهُمْ﴾ اليوم عن الشرك والمعاصي والزلات والشهوات وعبادة الهوى والركون إلى غير المولى فقد أنقذهم الله تعالى في القسمة الأولى من أن يحق عليهم كلمة العذاب وحق عليهم أن يكونوا مظهر صفات لطفه إلى الأبد.
﴿لَهُمْ غُرَفٌ﴾.
(منزلهاى بلندتر دربهشت) ؛ أي : بحسب مقاماتهم في التقوى جمع غرفة، وهي علية من البناء وسمى منازل الجنة غرفاً كما في "المفردات".
﴿مِّن فَوْقِهَا غُرَفٌ﴾ ؛ أي : لهم علالي بعضها فوق بعض بين أن لهم درجات عالية في جنات النعيم بمقابلة ما للكفرة من دركات سافلة في الجحيم.
﴿مَّبْنِيَّةٌ﴾.
تلك الغرف الموصوفة بناء المنازل على الأرض في الرصانة والإحكام.
قال سعدي المفتي : الظاهر أن فائدة هذا الوصف تحقيق الحقيقة وبيان كون الغرف كالظلل حيث أريد بها المعنى المجازي على الاستعارة التهكمية.
وفي "بحر العلوم" مبنية بنيت من زبرجد وياقوت ودرّ وغير ذلك من الجوهر.
وفي "كشف الأسرار" مبنية، يعني :(يخشت زرين وسيمين بر آورده).
وفيه إشارة بأنها مبنية بأيدي أعمال العاملين وأحوال السالكين.
﴿تَجْرِى مِن تَحْتِهَا﴾ ؛ أي : من تحت تلك الغرف المنخفضة والمرتفعة.
﴿الانْهَـارُ﴾ الأربعة من غير تفاوت بين العلو والسفل.
﴿وَعْدَ اللَّهِ﴾ مصدر مؤكد ؛ لأن قوله لهم : غرف في معنى الوعد ؛ أي : وعدهم الله تلك الغرف والمنازل وعداً ﴿لا يُخْلِفُ اللَّهُ الْمِيعَادَ﴾ ؛ لأن الخلف نقص، وهو على الله محال.
(والإخلاف : وعده خلاف دادن).
والميعاد بمعنى الوعد.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٦٨
وفي "التأويلات النجمية" : وعد الله الذي وعد التائبين بالمغفرة والمطيعين بالجنة
٩٢
والمشتاقين بالرؤية والعابثين الصادقين بالقربة، والوصلة لا يخلف الله الميعاد.
يعني : إذا لم يقع لهم فترة فلا محالة يصدق وعده، وإذا وقع لهم ذلك، فلا يلومن إلا أنفسهم.
وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبي عليه السلام أنه قال :"إن أهل الجنة ليتراأون أهل الغرف من فوقهم".
المراد : من أهلها أصحاب المنازل الرفيعة وتراءى القوم الهلال رأوه بأجمعهم ومنه الحديث :"كما يتراأون الكوكب الدرّي الغابر في الأفق من المشرق أو المغرب".
الغابر الباقي يعني : يرى التباعد بين أهل الغرف وسائر أصحاب الجنة كالتباعد المرئي بين الكوكب ومن في الأرض، وأنهم يضيئون لأهل الجنة إضاءة الكوكب الدري :"لتفاضل ما بينهم".
يعني يرى أهل الغرف كذلك لتزايد درجاتهم على من سواهم.
قالوا : يا رسول الله، تلك منازل الأنبياء لا يبلغها غيرهم.
قال :"بلى والذي نفسي بيده رجال" يعني : يبلغها رجال، وإنما قرن القسم ببلوغ غيرهم لما في وصول المؤمنين لمنازل الأنبياء من استبعاد السامعين :"آمنوا بالله وصدقوا المرسلين".
وفيه بشارة وإشارة إلى أن الداخلين مداخل الأنبياء من مؤمني هذه الأمة، لأنه قال : وصدقوا المرسلين وتصديق جميع الرسل إنما صدر منهم لا ممن قبلهم من الأمم.
وفي الحديث :"من يدخل الجنة ينعم ولا ييأس لا تبلى ثيابه ولا يفنى شبابه"، قوله : ينعم بفتح الياء والعين ؛ أي : يصيب نعمة وقولة : ولا ييأس بفتح الهمزة ؛ أي : لا يفتقر.
وفي بعض النسخ بضمها ؛ أي : لا يرى شدة قوله : لا تبلى بفتح حرف المضارعة واللام.


الصفحة التالية
Icon