﴿أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنزَلَ مِنَ السَّمَآءِ مَآءً فَسَلَكَه يَنَـابِيعَ فِى الارْضِ ثُمَّ يُخْرِجُ بِه زَرْعًا مُّخْتَلِفًا أَلْوَانُه ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاـاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَجْعَلُه حُطَـامًا إِنَّ فِى ذَالِكَ لَذِكْرَى لاوْلِى الالْبَـابِ * أَفَمَن شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَه لِلاسْلَـامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِّن رَّبِّه فَوَيْلٌ لِّلْقَـاسِيَةِ قُلُوبُهُم مِّن ذِكْرِ اللَّه أولئك فِى ضَلَـالٍ مُّبِينٍ * اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَـابًا مُّتَشَـابِهًا مَّثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّه ذَالِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِى بِه مَن يَشَآءُا وَمَن يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا﴾.
﴿أَفَمَن شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَه لِلاسْلَـامِ﴾.
الهمزة : للاستفهام الإنكاري، والفاء : للعطف على محذوف.
ومن شرطية أو موصولة وخبرها محذوف دل عليه ما بعده.
وأصل الشرح بسط اللحم.
ونحوه يقال : شرحت اللحم وشرحته.
ومنه شرح الصدر بنور إلهي وسكينة من جهته تعالى وروح منه، كما في "المفردات".
قال في "الإرشاد" : شرح الصدر للإسلام عبارة عن تكميل الاستعداد له، فإن الصدر بالفارسية :(سينه) محل القلب الذي هو منبع للروح التي تتعلق بها النفس القابلة للإسلام، فانشراحه مستدع لاتساع القلب
٩٤
واستضاءته بنوره، فهذا شرح قبل الإسلام لا بعده.
والمعنى : أكل الناس سواء فمن بالفارسية :(بس هركسى ويا آنكس كه).
﴿شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ﴾ ؛ أي : خلقه متسع الصدر مستعداً للإسلام، فبقي على الفطرة الأصلية، ولم يتغير بالعوارض المكتسبة القادمة فيها.
﴿فَهُوَ﴾ بموجب ذلك مستقر ﴿عَلَى نُورٍ﴾ عظيم ﴿مِّن رَّبِّهِ﴾، وهو اللطف الإلهي الفائض عليه عند مشاهدة الآيات التكوينية والتنزيلية، والتوفيق للاهتداء بها إلى الحق كمن قسا قلبه وحرج صدره بسبب تبديل فطرة الله بسوء اختياره واستولت عليه ظلمات الغيّ والضلالة، فأعرض عن تلك الآيات بالكلية حتى لا يتذكر بها ولا يغتنمها كقوله تعالى :﴿وَمَن يُرِدْ أَن يُضِلَّه يَجْعَلْ صَدْرَه ضَيِّقًا حَرَجًا﴾ (الأنعام : ١٣٥)، يعني : ليس من هو على نور كمن هو على ظلمة، فلا يستويان كما لا يستوي النور والظلمة والعلم والجهل.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٦٨
واعلم أنه لا نور ولا سعادة لمسلم إلا بالعلم والمعرفة، ولكل واحد من المؤمنين معرفة تختص به، وإنما تتفاوت درجاتهم بحسب تفاوت معارفهم.
والإيمان والمعارف أنوار، فمنهم من يضيء نوره جميع الجهات، ومنهم من لا يضيء نوره إلا موضع قدميه.
فإيمان آحاد العوام نوره كنور الشمع وبعضهم نوره كنور السراج وإيمان الصديقين نوره كنور القمر والنجوم على تفاوتها وأما الأنبياء فنور إيمانهم كنور الشمس وأزيد فكما ينكشف في نورها كل الآفاق مع اتساعها، ولا ينكشف في نور الشمع إلا زاوية ضيقة من البيت كذلك يتفاوت انشراح الصدور بالمعارف، وانكشاف سعة الملكوت لقلوب المؤمنين.
ولهذا جاء في الحديث :"إنه يقال يوم القيامة أخرجوا من النار من في قلبه مثقال من الإيمان ونصف مثقال وربع مثقال وشعيرة وذرة".
ففيه تنبيه على تفاوت درجات الإيمان وبقدره تظهر الأنوار يوم القيامة في المواقف خصوصاً عند المرور على الصراط.
﴿فَوَيْلٌ﴾ (بس شدت عذاب).
﴿لِّلْقَـاسِيَةِ قُلُوبُهُم مِّن ذِكْرِ اللَّهِ﴾ : القسوة غلظ القلب وأصله من حجر قاس والمقاساة معالجة ذلك ومن أجلية وسببية كما في قوله تعالى :﴿مِّمَّا خَطِياـاَـاتِهِمْ أُغْرِقُوا﴾ (نوح : ٢٥).
والمعنى : من أجل ذكره الذي حقه أن تنشرح له الصدور وتطمئن به القلوب ؛ أي : إذا ذكر الله تعالى عندهم وآياته اشمأزوا من أجله وازدادت قلوبهم قساوة كقوله تعالى :﴿فَزَادَتْهُمْ رِجْسًا﴾ (التوبة : ١٢٥).
وقرىء عن ذكر الله ؛ أي : فويل للذين غلظت قلوبهم عن قبول ذكر الله.
وعن مالك بن دينار رحمه الله ما ضرب عبد بعقوبة أعظم من قسوة قلبه، وما غضب الله على قوم إلا نزع منهم الرحمة.
وقال الله تعالى لموسى عليه السلام في مناجاته يا موسى : لا تطل في الدنيا أملك، فيقسو قلبك، والقلب القاسي مني بعيد، وكن خلق الثياب جديد القلب تخف على أهل الأرض وتعرف في أهل السماء.
وفي الحديث :"تورث القسوة في القلب ثلاث خصال : حب الطعام وحب النوم وحب الراحة".
وفي "كشف الأسرار" :(بدانكه ابن قسوة دل از بسيارى معصيت خيزد عائشة صديقه رضي الله عنها كويد أول بدعتى كه بعد از رسول خدا درميان خلق بديد آمد سيرى بود.
ذون مصرى رحمه الله كويد هركز سير نخوردم كه نه معصيتى كردم.
شبلي رحمه الله كفت هيج وقت كرسنه نه نشستم كه دردل خود حكمتى وعبرتى تازه يافتم).
وفي الحديث :"أفضلكم عند الله أطولكم جوعاً وتفكراً وأبغضكم إلى الله كل أكول شروب نؤوم.
كلوا
٩٥