والوجه الثاني : أن لكل آية تشبهاً بآية أخرى من حيث صورة الألفاظ، ولكن المعاني والإشارات والأسرار والحقائق مثاني فيها إلى ما لا ينتهي وإلى هذا يشير بقوله :﴿قُل لَّوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا﴾ (الكهف : ١٠٩) الآية.
﴿تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ﴾، استئناف مسوق
٩٨
لبيان آثاره الظاهرة في سامعيه بعد بيان أوصافه في نفسه وتقرير كونه أحسن الحديث، يقال : اقشعر جلده أخذته قشعريرة ؛ أي : رعدة كما في "القاموس".
والجلد : قشر البدن كما في "المفردات".
وقال بعضهم : أصل الاقشعرار تغير كالرعدة يحدث في جلد الإنسان عند الوجل والخوف.
وفي "الإرشاد" : الاقشعرار التقبض يقال : اقشعر الجلد إذا تقبض تقبضاً شديداً وتركيبه من القشع، وهو الأديم اليابس قد ضم إليه الراء ليكون باعثاً ودالاً على معنى زائد يقال : اقشعر جلده ووقف شعره إذا عرض له خوف شديد من منكر حائل دهمه بغتة.
والمراد : إما بيان إفراط خشيتهم بطريق التمثيل والتصوير أو بيان حصول تلك الحالة وعروضها لهم بطريق التحقيق، وهو الظاهر إذ هو موجود عند الخشية محسوس يدركه الإنسان من نفسه، وهو يحصل من التأثر القلبي، فلا ينكر.
والمعنى : أنهم إذا سمعوا بالقرآن وقوارع آيات وعيده أصابتهم هيبة وخشية تقشعر منها جلودهم ؛ أي : يعلوها قشعريرة ورعدة.
وبالفارسية :(لرزد ازو يعنى از خوف وعيد كه در قرآنست بوستها برتنهاى آنانكه مى ترسند از برود كار خود).
﴿ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ﴾ اللين ضد الخشونة، ويستعمل ذلك في الأجسام، ثم يستعار للخلق ولغيره من المعاني.
والجلود عبارة عن الأبدان والقلوب عن النفوس كما في "المفردات" ؛ أي : ثم إذا ذكروا رحمة الله وعموم مغفرته لانت أبدانهم ونفوسهم، وزال عنها ما كان بها من الخشية والقشعريرة، بأن تبدلت خشيتهم رجاء ورهبتهم رغبة.
وبالفارسية :(بس نرم ميشود وآرام ميكيرد بوستها ودلهاى ايشان بسوى يادكردن رحمت ومغفرت).
وتعدية اللين بإلى لتضمنه معنى السكون والاطمئنان ؛ كأنه قيل : تسكن وتطمئن إلى ذكر الله لينة غير منقبضة راجية غير خاشعة أو تلين ساكنة مطمئنة إلى ذكر الله على أن المتضمن بالكسر يقع حالاً من المتضمن بالفتح.
وإنما أطلق ذكر الله ولم يصرح بالرحمة إيذاناً بأنها أول ما يخطر بالبال عند ذكره تعالى.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٦٨
فإن قلت : لم ذكرت الجلود وحدها أولاً ثم قرنت بها القلوب ثانياً.
قلت : لتقدم الخشية التي هي من عوارض القلوب، فكأنه قيل : تقشعر جلودهم من آيات الوعيد وتخشى قلوبهم من أول وهلة، فإذا ذكروا الله ومبنى أمره على الرأفة والرحمة واستبدلوا بالخشية رجاء في قلوبهم وبالقشعريرة ليناً في جلودهم.
فالجملتان إشارة إلى الخوف والرجاء أو القبض والبسط أو الهيبة والأنس، أو التجلي والاستتار.
قال النهرجوري رحمه الله : وصف الله بهذه الآية سماع المريدين وسماع العارفين.
وقال : سماع المريدين بإظهار الحال عليهم وسماع العارفين بالاطمئنان والسكون فالاقشعرار صفة أهل البداية واللين صفة أهل النهاية.
وعن شهر بن حوشب قالت أم الدرداء : رضي الله عنها : إنما الوجل في قلب الرجل كاحتراق السعفة أما تجد الاقشعريرة قلت : بلى.
قالت : فادع الله، فإن الدعاء عند ذلك مستجاب، وذلك لانجذاب القلب إلى الملكوت وعالم القدس واتصاله بمقام الأنس.
﴿ذَالِكَ﴾ الكتاب الذي شرح أحواله ﴿هُدَى اللَّهِ﴾.
(راه نمودن خداست يعن ارشاديست مر خلق را از خداى).
﴿يَهْدِى بِهِ﴾ (راه بنمايد بوى).
﴿مَن يَشَآءُ﴾ أن يهديه من المؤمنين المتقين كما قال :﴿هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ﴾ (البقرة : ٢) لصرف مقدوره إلى الاهتداء بتأمله فيما في تضاعيفه من الشواهد الخفية ودلائل كونه من عند الله ﴿وَمَن يُضْلِلِ اللَّهُ﴾
٩٩
أي : يخلق فيه الضلالة لصرف قدرته إلى مباديها وأعراضه عما يرشده إلى الحق بالكلية وعدم تأثره بوعده ووعيده أصلاً.
﴿فَمَا لَه مِنْ هَادٍ﴾ يخلصه من ورطة الضلال.
وفي "التأويلات النجمية" :﴿وَمَن يُضْلِلِ اللَّهُ﴾ بأن يكله إلى نفسه وعقله ويحرمه من الإيمان بالأنبياء ومتابعتهم.
﴿فَمَا لَه مِنْ هَادٍ﴾ من براهين الفلاسفة والدلائل العقلية.
قال المولى الجامي قدس سره :
خواهى بصوب كعبه تحقيق ره برى
بى برده مقلد كم كرده ره مرو
وفي "كشف الأسرار" :(يكى ازصحابه روزى بآن مهتر عالم عليه السلام كفت يا رسول الله جرا رخساره ما در استماع قرآن سرخ ميكردد وآن منافقان سياه كفت زيراكه قرآن نوريست مارا مى افروزد وايشانرا ميسوزد) يضل به كثيراً ويهدي به كثيراً.
قال الخجندي قدس سره :
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٦٨
دل ازشنيدن قرآن بكيردت همه وقت
جو باطلان زكلام حقت ملولي جيست
وفي الآية لطائف.


الصفحة التالية
Icon