وفي "التأويلات النجمية" :﴿أَفَمَن يَتَّقِى بِوَجْهِهِ﴾ توجه ﴿وَجْهَهُ﴾ ﴿سُواءِ الْعَذَابِ﴾ ؛ أي : عذاب السيىء ﴿يَوْمَ الْقِيَـامَةِ﴾، ويدفعه به عن نفسه كمن لا يتقي ويظلم على نفسه.
﴿وَقِيلَ لِلظَّـالِمِينَ﴾ الذين وضعوا الكفر موضع الإيمان والتكذيب موضع التصديق والعصيان موضع الطاعة، وهو عطف على يتقي ؛ أي : ويقال لهم : من جهة خزنة النار.
وصيغة الماضي للدلالة على التحقيق ووضع المظهر في مقام المضمر للتسجيل عليهم بالظلم والإشعار بعلة الأمر في قوله :﴿ذُوقُوا﴾ (بجشيد).
﴿مَا كُنتُمْ تَكْسِبُونَ﴾ ؛ أي : وبال ما كنتم تكسبونه في الدنيا على الدوام من الكفر والتكذيب والمعاصي.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٦٨
وفي "التأويلات النجمية" ؛ أي : ذوقوا ما كسبتم بأفعالكم الرديئة وأخلاقكم الدنيئة يعني كنتم في عين العذاب، ولكن ما كنتم تجدون ذوقه لغلبة نوم الغفلة فإذا متم انتبهتم.
﴿كَذَّبَ الَّذِينَ﴾ من الأمم السابقة الذين جاؤوا.
﴿مِن قَبْلِهِمْ﴾ ؛ أي : من قبل كفار مكة، يعني كذبوا أنبياءهم كما كذبك قومك.
﴿فَأَتَـاـاهُمُ الْعَذَابُ﴾ المقدر لكل أمة منهم.
وبالفارسية :(بس آمد بديشان عذاب إلهي).
﴿مِنْ حَيْثُ لا يَشْعُرُونَ﴾ من الجهة التي لا يحتسبون ولا يخطر ببالهم إتيان العذاب والشر منها بينا هم آمنون رافهون إذ فوجئوا من مأمنهم، فمعنى : من حيث لا يشعرون أتاهم العذاب، وهم آمنون في أنفسهم غافلون عن العذاب.
وقيل : معناه لا يعرفون له مدفعاً ولا مرداً، وفي "التأويلات النجمية" ؛ أي : أتاهم العذاب في صورة الصحة والنعمة والسرور وهم لا يشعرون أنه العذاب وأشد العذاب ما يكون غير متوقع.
﴿فَأَذَاقَهُمُ اللَّهُ الْخِزْىَ﴾ ؛ أي : الذل والصغار : وبالفارسية :(بس بجشانيده ايشانرا خداي تعالى خوراى ورسوايى).
يعني : أحسوا به إحساس الذائق المطعوم.
﴿فَأَذَاقَهُمُ اللَّهُ الْخِزْىَ﴾ بيان لمكان إذاقة الخزي.
وذلك الخزي كالمسخ والخسف والغرق والقتل والسبي والإجلاء ونحو ذلك من فنون النكال، وهو العذاب الأدنى.
﴿وَلَعَذَابُ الاخِرَةِ﴾ المعد لهم ﴿أَكْبَرُ﴾ من العذاب الدنيا لشدته ودوامه.
﴿لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ﴾ ؛ أي : لو كان من شأنهم أن
١٠١
يعلموا لعلموا ذلك واعتبروا به، وما عصوا الله ورسوله، وخلصوا أنفسهم من العذاب.
فعلى العاقل أن يرجع إلى ربه بالتوبة والإنابة كي يتخلص من عذاب الدنيا والآخرة.
وعن الشبلي قدس سره أنه قال : قرأت أربعة آلاف حديث، ثم اخترت منها واحداً، وعملت به وخليت ما سواه، لأني تأملته، فوجدت خلاصي ونجاتي فيه، وكان علم الأولين والآخرين مندرجاً فيه.
وذلك أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم قال لبعض أصحابه :"اعمل لدنياك بقدر مقامك فيها واعمل لآخرتك بقدر بقائك فيها، واعملبقدر حاجتك إليه واعمل للنار بقدر صبرك عليها".
فإذا كان الصبر على النار غير ممكن للإنسان الضعيف فليسلك طريق النجاة المبعدة عن النار الموصلة إلى الجنات وأعلى الدرجات.
وفي الحديث :"إن بدلاء أمتي لم يدخلوا الجنة بصلاة ولا قيام، ولكن دخلوها بسخاء الأنفس وسلامة الصدر والنصح للمسلمين".
وأصل الكل هو التوحيد.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٦٨
وعن حذيفة رضي الله عنه أنه قال : سمعت رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم يقول :"مات رجل من قوم موسى، فإذا كان يوم القيامة يقول الله تعالى لملائكته انظروا هل تجدون لعبدي شيئاً من الأعمال، فيقولون لا نجد سوى نقش خاتمه لا إله إلا الله، فيقول الله تعالى لملائكته أدخلوا عبدي الجنة قد غفرت له"، فإذا كان التوحيد منجياً بنقشه الظاهري، فما ظنك بنقشه الباطني، فلا بد من الاجتهاد لإصلاح النفس وتقوية اليقين، والحمدعلى نعمة الإسلام والدين.
وحكي عن ابن النسفي أنه قال : فقد مسلم حماراً، فخرج في طلبه فاستقبله مجوسي فانصرف المؤمن.
وقال : إلهي أنا فقدت الدابة، وهذا فقد الدين فمصيبته أكبر من مصيبتي.
الحمدالذي لم يجعل مصيبتي كمصيبته.
وهذا بالنسبة إلى الوقت والحال، وأما أمر المآل فعلى الإشكال، كما قال المثنوي :
هيج كافررا بخوارى منكريد
كه مسلمان مردتش باشداميد
جه خبر دارى زختم عمر او
تابكر دانى ازو يكباره رو
ومن الله التوفيق.
﴿فَأَذَاقَهُمُ اللَّهُ الْخِزْىَ فِى الْحَيَواةِ الدُّنْيَا وَلَعَذَابُ الاخِرَةِ أَكْبَرُا لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ * وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِى هَـاذَا الْقُرْءَانِ مِن كُلِّ مَثَلٍ لَّعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ * قُرْءَانًا عَرَبِيًّا غَيْرَ ذِى عِوَجٍ لَّعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ * ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلا رَّجُلا فِيهِ شُرَكَآءُ مُتَشَـاكِسُونَ وَرَجُلا سَلَمًا لِّرَجُلٍ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلا الْحَمْدُ لِلَّه بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ * إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُم مَّيِّتُونَ * ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَـامَةِ عِندَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ﴾.