﴿وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِى هَـاذَا الْقُرْءَانِ مِن كُلِّ مَثَلٍ﴾.
يحتاج إليه الناظر في أمور دينه.
قال السمرقندي : ولقد بينا لهم فيه كل صفة هي في الغرابة ؛ أي : في غرابتها وحسنها، كالمثل السائر، وقصصنا عليهم كل قصة عجيبة الشأن كقصة الأولين وقصة المبعوثين يوم القيامة وغير ذلك.
والمراد بالناس أهل مكة كما في "الوسيط" ويعضده ما قال بعضهم من أن الخطاب بقوله : يا اأَيُّهَا النَّاسُ} في كل ما وقع في القرآن لأهل مكة، والظاهر التعميم لهم ولمن جاء بعدهم.
﴿لَّعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ﴾ يتذكرون به ويتعظون به ﴿قُرْءَانًا عَرَبِيًّا﴾ ؛ أي : بلغة العرب، وهو حال مؤكدة من هذا على أن مدار التأكيد هو الوصف ؛ أي : التأكيد في الحقيقة هو الصفة ومفهومها.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٦٨
وبعضهم جعل القرآن توطئة للحال التي هي عربياً.
والحال الموطئة اسم جامد موصوف بصفة هي الحال في الحقيقة، ويجوز أن ينتصب على المدح ؛ أي : أريد بهذا القرآن قرآناً عربياً.
﴿غَيْرَ ذِى عِوَجٍ﴾.
لا اختلاف فيه بوجه من الوجوه، ولا تناقض ولا عيب ولا خلل.
والفرق بينه بالفتح، وبينه بالكسر أن كل ما ينتصب كالحائط والجدار والعود، فهو عوج بفتح العين، وكل ما كان في المعاني والأعيان الغير المنتصبة وبفتحها في المنتصبة كالرمح والجدار،
١٠٢
ولذا قال أهل التفسير : لم يقل مستقيماً أو غير معوج مع أنه أحضر لفائدتين :
إحداهما : نفي أن يكون فيه عوج ما بوجه من الوجوه كما قال :﴿وَلَمْ يَجْعَل لَّه عِوَجَا﴾ (الكهف : ١).
والثانية : أن لفظ العوج مختص بالمعاني دون الأعيان، وهو بالفارسية :(كجى).
وقال ابن عباس رضي الله عنهما :﴿غَيْرَ ذِى عِوَجٍ﴾ ؛ أي : غير مخلوق، وذلك لأن كونه مقروءاً بالألسنة ومسموعاً بالآذان ومكتوباً في الأوراق ومحفوظاً في الصدور لا يقتضي مخلوقيته إذ المراد كلام الله القديم القائم بذاته.
وفي "حقائق البقلي" : قرآناً قديماً ظهر من الحق على لسان حبيبه لا يتغير بتغير الزمان ولا يرهقه غبار الحدثان لا تعوجه الحروف، ولا تحيط به الظرف.
وفي "بحر الحقائق" : صراطاً مستقيماً إلى حضرتنا لا يأتيه الباطل من بين يديه، ولا من خلفه ﴿لَّعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ﴾ علة أخرى مترتبة على الأولى، فإن المصلحة في ضرب الأمثال هو التذكر والاتعاظ بها أولاً، ثم تحصيل التقوى.
والمعنى : لعلهم يعملون عمل أهل التقوى في المحافظة على حدود الله في القرآن والاعتبار بأمثاله.
وبالفارسية :(شايدكه ايشان بسبب تأمل در معاني آن بيرهيزند ازكفر وتكذيب).
ثم أورد مثلاً من تلك الأمثال، فقال :
﴿ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلا رَّجُلا فِيهِ شُرَكَآءُ مُتَشَـاكِسُونَ﴾.
المراد بضرب المثل هنا تطبيق حالة عجيبة بأخرى مثلها كما مر في أوائل سورة يس ومثلاً مفعول ثان لضرب ورجلاً مفعوله الأول آخر عن الثاني للتشويق إليه، وليتصل به ما هو من تتمته التي هي العمدة في التمثيل.
وفيه خبر مقدم لقوله شركاء، والجملة في حيز النصب على الوصفية لرجلاً :(والتشاكس : بايكديكر بدخويى كردن).
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٦٨
قال في "المفردات" : الشكس السيِّىء الخلق ومتشاكسون ومتشاجرون بشكاسة خلقهم.
وفي "القاموس" : وكندس الصعب الخلق ككتف البخيل ومتشاكسون مختلفون عسرون وتشاكسوا تخالفوا.
والمعنى : جعل الله تعالى للمشرك مثلاً حسبما يقود إليه مذهبه من ادعاء كل من معبوديه عبوديته عبداً يتشارك فيه جماعة يتجاذبونه ويتعاورونه في مهماتهم المتباينة في تحسره.
وتوزع قلبه.
﴿وَرَجُلا﴾ ؛ أي : وجعل للموحد مثلاً ﴿سَلَمًا﴾ خالصاً الرجل فرد ليس لغيره عليه سبيل أصلاً فالتنكير في كل منهما للإفراد ؛ أي : فرداً من الأشخاص لفرد من الأشخاص.
والسلم : بفتحتين وكقتل وفسق مصدر من سلم له كذا ؛ أي : خلص نعت به مبالغة كقبولك رجل عدل، أو حذف منه ذو بمعنى ذا سلامة لرجل ؛ أي : ذا خلوص له من الشرك.
والرجل ذكر من بني آدم جاوز حاد الصغر وتخصيص الرجل، لأنه انطق لما يجري عليه من الضر والنفع، لأن المرأة والصبي قد يغفلان عن ذلك.
﴿هَلْ﴾ استفهام إنكار ﴿يَسْتَوِيَانِ﴾.
(آيا مساوى باشد اين دوبنده).
﴿مَثَلا﴾ من جهة الصفة والحال نصب على التمييز والوحدة حيث لم يقل مثلين لبيان الجنس وإرادته، فيعم ؛ أي : هل يستوي حالهما وصفاتهما يعني : لا يستويان.
والحاصل : أن الكافر كالعبد الأول في كونه حيران متفرق البال ؛ لأنه يعبد آلهة مختلفة ؛ أي : أصناماً لا يجيء منها خير بل تكون سبباً لوقوعه في أسفل سافلين كما أن العبد يخدم ملاكاً متعاسرين مختلفي الأهوية لا يصل إليه منهم منفعة أصلاً، والمؤمن كالعبد الثاني في انضباط أحواله، واجتماع باله حيث يعبد رباً واحداً، يوصله إلى أعلى عليين كما أن العبد يخدم سيداً واحداً يرضى عنه، ويصل إليه بالعطاء الجزيل :
١٠٣
يك يار بسنده كن
جويك دل دارى