وفي "التأويلات النجمية" : فيه إشارة إلى أن رؤية الخير والشر من غير الله ضلالة والتخويف بمن دون الله غاية الضلالة ولهذا قال :﴿وَمَن يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَه مِنْ هَادٍ﴾، ولأن الهادي في الحقيقة هو الله، فمن يضلل الله كيف يهديه غيره، وكذلك من يهد الله فما له من مضل ؛ لأن المضل على الحقيقة هو الله، فمن يهده الله كيف يضله.
١١٠
﴿أَلَيْسَ اللَّهُ بِعَزِيزٍ﴾ غالب منيع يعز من يعبده.
﴿ذِى انتِقَامٍ﴾ من أعدائه لأوليائه ؛ أي : هو عزيز ذو انتقام ؛ لأن الاستفهام إذا دخل على النفي أفاد تحقيقاً وتقريراً كما مرّ.
والانتقام بالفارسية :(كينه كشيدن).
وفي "بحر العلوم" : من النقمة، وهي الشدة والعقوبة.
﴿وَمَن يَهْدِ اللَّهُ فَمَا لَه مِن مُّضِلٍّا أَلَيْسَ اللَّهُ بِعَزِيزٍ ذِى انتِقَامٍ * وَلَـاـاِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَـاوَاتِ وَالارْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّه قُلْ أَفَرَءَيْتُم مَّا تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ إِنْ أَرَادَنِىَ اللَّهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَـاشِفَـاتُ ضُرِّه أَوْ أَرَادَنِى بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكَـاتُ رَحْمَتِه قُلْ حَسْبِىَ اللَّهُ عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ * قُلْ يا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنِّى عَـامِلٌا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ * مَن يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذَابٌ مُّقِيمٌ﴾.
﴿وَلَـاـاِن سَأَلْتَهُم﴾ ؛ أي : هؤلاء المشركين الذين يخوفونك بآلهتهم، فقلت لهم :﴿مَّنْ خَلَقَ السَّمَـاوَاتِ وَالارْضَ﴾ من اخترع هذين الجنسين المعبر عنهما بالعالم.
﴿لَيَقُولُنَّ اللَّهُ﴾ ؛ أي : خلقهن الله لوضوح الدليل على اختصاصه بالخالقية واللام الأولى توطئة وتمهيد للقسم، والثانية : جواب له، وهو سادّ مسدّ جوابين.
وفي "التأويلات النجمية" : يشير إلى أن الإيمان الفطري مركوز في جبلة الإنسان من يوم الميثاق إذا شهدهم الله على أنفسهم، فقال :﴿أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى﴾ (الأعراف : ١٧٢)، كما قال تعالى :﴿فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَتَ اللَّهِ﴾ (الروم : ٣٠).
وقال عليه السلام :"كل مولود يولد على الفطرة"، فلا يزال يوجد في الإنسان، وإن كان كافراً أثر ذلك الإقرار، ولكنه غير نافع إلا مع الإيمان الكسبي بالله وملائكته وكتبه ورسله وبما جاؤوا به.
﴿قُلْ﴾ تبكيتاً لهم.
﴿وَلَـاـاِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَـاوَاتِ وَالارْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّه قُلْ أَفَرَءَيْتُم مَّا تَدْعُونَ مِن دُونِ﴾.
أرأيتم بمعنى : أخبروني.
جعل الرؤية، وهو العلم الذي هو سبب الإخبار مجازاً عن الإخبار، وتدعون بمعنى : تعبدون، وما عبارة عن الآلهة والضر سوء الحال أياً كان من مرض وضيق معيشة وشدة، والاستفهام للإنكار وضميرهنّ راجع إلى ما باعتبار الآلهة.
والكشف : الإظهار والإزالة، ورفع شيء عما يواريه ويعطيه.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٦٨
والمعنى : بعد ما تحققتم أن خالق العالم العلوي والسفلي هو الله تعالى، فأخبروني أن آلهتكم إن أرادني الله بضر، هل هن يكشفن عني ذلك الضرر والبلاء ويدفعنه؟ أي : لا تقدر على دفعه وإزالته.
﴿أَوْ أَرَادَنِى بِرَحْمَةٍ﴾ ؛ أي : أو إن أرادني بنفع من صحة أو غنى أو غير ذلك من المنافع.
﴿هَلْ هُنَّ مُمْسِكَـاتُ رَحْمَتِهِ﴾.
فيمنعنها عني ؛ أي : لا تقدر على إمساك تلك الرحمة، ومنعها وتعليق إرادة الضر والرحمة بنفسه عليه السلام للرد في نحورهم حيث كانوا خوفوه مضرة الأوثان ولما فيه من الإيذان بإمحاض النصح، وإنما قال : كاشفات وممسكات إبانة لكمال ضعفها وإشعاراً بأنوثتها كما قال :﴿إِن يَدْعُونَ مِن دُونِه إِلا إِنَـاثًا﴾ (النساء : ١١٧)، وهم كانوا يصفونها بالأنوثة مثل العزى واللات ومناة، فكأنه قال : كيف أشركتم به تعالى هذه الأشياء الجمادية البعيدة من الحياة والعلم والقدرة والقوة والتمكن من الخلق، هلا استحييتم من ذلك؟.
﴿قُلْ﴾ يا محمد :﴿حَسْبِىَ اللَّهُ﴾ حسب مستعمل في معنى الكفاية ؛ أي : الله كافيّ في جميع أموري من إصابة الخير ودفع الشر.
وبالفارسية :(بسست مرا خداى تعالى در رسانيدن خيروباز داشتن شر).
روي : أنه عليه السلام لما سألهم سكتوا، فنزل :﴿عَلَيْهِ﴾ تعالى لا على غيره أصلاً.
﴿يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ﴾ لعلمهم بأن ما سواه تحت ملكوته تعالى :
توبا خداى اندازكار ودل خوش دار
كه رحم اكر نكند مدعى بكند
وفيه إشارة إلى من تحول عن الكافي إلى غير الكافي لم يتم أمره، فلا بد من التوكل على رب العباد والتسليم له والانقياد.
(در كليله ودمنه كويد باسلطان قوى كسى طاقت ندارد وكس با او نستيزد مكر بكردن دادن ويرا مثل آن خشيش كه هركاه كه باد غلبه كيرد خودرا فراباد دهد تادر زمين همين كرداندش آخر نجات يابد وآن درخت رفته راكه كردن ننهد
١١١


الصفحة التالية
Icon