وفي "التأويلات النجمية" : يشير إلى أن اتخاذ الأشياء للعبادة أو للشفاعة بالهوى، والطبع لا بأمر الله، ووفق الشرع يكون ضلالة على ضلالة، وأن المقبول من العبادة والشفاعة، ما يكون بأمر الله ومتابعة نبيه عليه السلام على وفق الشرع، وذلك لأن حجاب العبد هو الهوى والطبع، وإنما أرسل الأنبياء لنفي الهوى، لتكون حركات العباد وسكناتهم بأمر الحق تعالى ومتابعة الأنبياء لا بأمر الهوى، ومتابعة النفس، لأن النفس وهواها ظلمانية، والأمر ومتابعة الأنبياء نورانية، والشهوات ظلمانية.
ولكن العبد إذا عبد الله بالهوى والطبع تصير عبادته ظلمانية، فإذا جامع زوجته بالأمر على وفق الشرع تصير شهوته نورانية.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٦٨
﴿قُلْ﴾ بعد تبكيتهم وتجهيلهم بما ذكر تحقيقاً للحق.
﴿الشَّفَـاعَةُ جَمِيعًا﴾ نصب على الحال من الشفاعة ؛ أي : هو الله تعالى مالك الشفاعة لا يستطيع أحد شفاعة ما إلا أن يكون المشفوع له مرتضى.
والشفيع مأذوناً له، وكلاهما مفقود ها هنا.
قال البقلي : بين أنه تعالى مرجح الكل، الشافع والمشفع فيه حتى يرجع العبد العارف إليه بالكلية، ولا يلتفت إلى أحد سواه، فلا يصل إليه أحد إلا به.
قال الله تعالى :﴿مَن ذَا الَّذِى يَشْفَعُ عِندَه إِلا بِإِذْنِهِ﴾ (البقرة : ٢٥٥).
ونعم ما قالت رابعة رحمها الله : محبة الله تعالى ما أبقت محبة غيره.
ففيه إشارة إلى أن محبة الرسول عليه السلام مندرجة في محبة الله تعالى، فمن أحب الله حباً حقيقياً، أحب الله أن يأذن لحبيبه في شفاعته، ومن أحب رسول الله من غير محبة الله لم يؤذن له في الشفاعة، ألا ترى أن قوماً أفرطوا في حب عليّ رضي الله عنه، ونسوا محبة الله فنفاهم عليّ بل أحرق بعضهم.
﴿لَّهُ﴾ تعالى وحده ﴿مُلْكُ السَّمَـاوَاتِ وَالارْضِ﴾ وما فيهما من المخلوقات لا يملك أحد أن يتكلم في أمر من أموره بدون إذنه ورضاه.
وأشار إلى أن الله تعالى هو المالك حقيقة، فإن ما سواه عبد ولا ملك للعبد، ولو ملكه مولاه، وإنما
١١٧
هو عارية عنده، والعارية مردودة إلى مالكها.
﴿ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ﴾ يوم القيامة لا إلى أحد سواه لا ستقلالاً ولا اشتراكاً، فيفعل يومئذٍ ما يريد.
وفي "الكواشي" : يحصي أعمالكم ثم إلى حسابه ترجعون ؛ أي : تردون، فيجازيكم فاحذروا سخطه، واتقوا عذابه، فيا ربح الموحدين يومئذٍ ويا خسارة المشركين.
وفي الحديث :"شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي".
والمراد : أمة الإجابة، فالكفر أكبر الكبائر وصاحبه مخلد في النار لا شفاعة له.
فإن قلت : الحكم في المكروه أن يستحق مرتكبه حرمان الشفاعة كما ذكر في "التلويح"، فيكون حرمان أهل الكبائر أولى.
قلت : استحقاق حرمانها لا يوجب الحرمان بالفعل.
(شفيع علاء الدولة در عروه كويد جميع فرق إسلامية أهل نجاتند ومراد از ناحيه در حديث "ستفترق أمتي على نيف وسبعين فرقة والناجية منها واحدة".
ناجية بي شفاعتيست).
واعلم أن افتخار الخلق في الدنيا بعشرة، ولا ينفع ذلك يوم القيامة.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٦٨
الأول : المال، فلو نفع المال لأحد لنفع قارون.
قال الله تعالى :﴿فَخَسَفْنَا بِه وَبِدَارِهِ الارْضَ﴾ (القصص : ٨١).
والثاني : الولد، فلو نفع الولد لأحد لنفع إبراهيم عليه السلام أباه آزر.
قال تعالى : يا اإِبْرَاهِيمُ أَعْرِضْ عَنْ هَـاذَآ} (هود : ٧٦).
والثالث : الجمال، فلو نفع الجمال لنفع أهل الروم ؛ لأن لهم تسعة أعشار الجمال.
قال الله تعالى :﴿يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ﴾ (آل عمران : ١٠٦).
والرابع : الشفاعة، فلو نفعت الشفاعة لنفع الرسول من أحب إيمانه.
قال تعالى :﴿إِنَّكَ لا تَهْدِى مَنْ أَحْبَبْتَ﴾ (القصص : ٥٦) ؛ كأنه قال : أنت شفيعي في الجنايات لا شريكي في الهدايات.
والخامس : الحيلة، فلو نفعت الحيلة لنفع الكفار مكرهم.
قال تعالى :﴿وَمَكْرُ أولئك هُوَ يَبُورُ﴾ (فاطر : ١٠).
والسادس : الفصاحة، فلو نفعت الفصاحة لنفعت العرب.
قال تعالى :﴿لا يَتَكَلَّمُونَ إِلا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَـانُ﴾ (النبأ : ٣٨).
والسابع : العز، فلو نفع العز لنفع أبا جهل.
قال تعالى :﴿ذُقْ إِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ﴾ (الدخان : ٤٩).
والثامن : الأصدقاء، فلو نفع الأصدقاء لنفعوا الفساق.
قال الله تعالى :﴿الاخِلاءُ يَوْمَـاـاِذا بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلا الْمُتَّقِينَ﴾ (الزخرف : ٦٧).
والتاسع : الأتباع، فلو نفع التبع لنفع الرؤساء.
قال تعالى :﴿إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا﴾ (البقرة : ١٦٦).


الصفحة التالية
Icon