وفي "التأويلات النجمية" : وفي سماع هذه الآية حسرة لأصحاب الانتباه.
وفي بعض الأخبار : أن قوماً من المسلمين من أصحاب الذنوب يؤمر بهم إلى النار، فإذا وافوها يقول لهم مالك من أنتم؟ فإن الذين جاؤوا قبلكم من أهل النار وجوههم مسودة وعيونهم زرق وإنكم لستم بتلك الصفة، فيقولون : نحن لم نتوقع أن نلقاك، وإنما انتظرنا شيئاً آخر.
قال الله تعالى : وبدا لهم من الله إلى يستهزؤون.
وقال أبو الليث : يعملون أعمالاً يظنون أن لهم ثواباً فيها، فلم تنفعهم مع شركهم، فظهرت لهم العقوبة مكان الثواب.
وفي "كشف الأسرار" :(از حضرت رسالت عليه السلام تفسير آيت.
﴿وَبَدَا لَهُم مِّنَ اللَّهِ﴾ إلخ برسيدند فر مود).
هي الأعمال حسبوها حسنات فوجدوها في كفة السيئات.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٦٨
وقال بعضهم : ظاهر الآية يتعلق بأهل الرياء والسمعة افتضحوا يوم القيامة عند المخلصين.
وعن سفيان الثوري رحمه الله أنه قرأها، فقال : ويل لأهل الرياء ثلاثاً :
بنداشت مرايى كه عملهاى نكوست
مغزى كه بود خلاصه كاز زدوست
جون برده زروى كار برداشته كشت
بر خلق عيان شدكه نبود الابوست
(يكى ازمشايخ يعنى محمد بن المنكدر بوقت حلول أجل جزع ميكرد برسيدند كه سبب جيست فرمود كه مى ترسم جيزى ظاهر كردد كه من آنرا در حساب نمى داشتم).
قال سهل : أثبتوا لأنفسهم أعمالاً فاعتمدوا عليها، فلما بلغوا إلى المشهد الأعلى رأوها هباء منثوراً، فمن اعتمد على الفضل نجا، ومن اعتمد على أفعاله بدا له منها الهلاك.
وفي "عرائس البقلي" رحمه الله : هذه الآية خير من الله للذين فرحوا بما وجدوا في البدايات مما يغترّ به المغترون، وقاموا به وظنوا أن لا مقام فوق مقامهم، فلما رأوا بخلاف ظنونهم ما لأهل معارفه وأحبابه وعشاقه من درجات المعرفة وحقائق التوحيد ولطائف المكاشفات وغرائب المشاهدات ماتوا حسرة.
فانظر إلى هذه المعاني الشريفة في هذا المقام، فإن كلاً منها يحتمله الكلام، بل وأزيد منها على ما لا يخفى عى ذوي الأفهام، واجتهد في أن يبدو لك من الثواب ما لم يكن يخطر ببالك أن تكون مثاباً به، وذلك بالإخلاص والفناء التام حتى يكون الله عندك عوضاً عن كل شيء.
﴿وَبَدَا لَهُمْ سَيِّـاَاتُ مَا كَسَبُوا وَحَاقَ بِهِم مَّا كَانُوا بِه يَسْتَهْزِءُونَ * فَإِذَا مَسَّ الانسَـانَ ضُرٌّ دَعَانَا ثُمَّ إِذَا خَوَّلْنَـاهُ نِعْمَةً مِّنَّا قَالَ إِنَّمَآ أُوتِيتُه عَلَى عِلْما بَلْ هِىَ فِتْنَةٌ وَلَـاكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ * قَدْ قَالَهَا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَمَآ أَغْنَى عَنْهُم مَّا كَانُوا يَكْسِبُونَ * فَأَصَابَهُمْ سَيِّـاَاتُ مَا كَسَبُوا وَالَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْ هَـاؤُلاءِ سَيُصِيبُهُمْ سَيِّـاَاتُ مَا﴾.
﴿فَإِذَا مَسَّ الانسَـانَ ضُرٌّ دَعَانَا﴾ إخبار عن الجنس بما يفعله غالب أفراده.
والفاء : لترتيب ما بعدها على ما قبلها ؛ أي : أن المشركين ليشمئزون عن ذكر الله وحده، ويستبشرون بذكر الآلهة، فإذا مسهم ضر ؛ أي : أصابهم سوء حال من مرض وفقر ونحوهما دعوا لدفعه من اشمأزوا عن ذكره، وهو الله تعالى لمناقضتهم وتعكيسهم
١٢١
في التسبب حيث جعلوا الكفر سبباً في الالتجاء إلى الله بأن أقاموه مقام الإيمان مع أن الواجب أن يجعل الإيمان سبباً فيه.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٦٨
﴿ثُمَّ إِذَا خَوَّلْنَـاهُ نِعْمَةً مِّنَّا﴾ أعطيناه إياها تفضلاً، فإن التخويل مختص بما كان بطريق التفضل لا يطلق على ما أعطي بطريق الجزاء.
﴿قَالَ إِنَّمَآ أُوتِيتُه عَلَى عِلْم﴾ ؛ أي : على علم مني بوجوه كسبه.
يعني :(وجوه كسب وتحصيل آنرا دانستم وبكياست وكفايت من حاصل شد).
أو بأني سأعطاه لما لي من الفضل والاستحقاق، أو على علم من الله باستحقاقي.
يعني :(خدا دانست كه من مستحق اين نعمتم).
والهاء : لما أن جعلت موصولة بمعنى أن الذي أوتيته، وللنعمة إن جاءت كافة، والتذكير لما أن المراد شيء من النعمة وقسم منها، ثم قال تعالى : رداً لما قاله :﴿بَلْ﴾ (نه جنين است ميكويد).
﴿هِىَ﴾ ؛ أي : النعمة، ويجوز أن يكون تأنيث الضمير باعتبار الخبر، وهو قوله :﴿فِتْنَةٌ﴾ للإنسان ؛ أي : محنة وابتلاء له أيشكر أم يكفر تقول : فتنت الذهب إذا أدخلته النار لتنظر ما جودته وتختبره.
﴿وَلَـاكِنَّ أَكْثَرَهُمْ﴾ ؛ أي : أكثر الناس.
﴿لا يَعْلَمُونَ﴾ أن التخويل استدراج وامتحان.
﴿قَدْ قَالَهَا﴾ ؛ أي : تلك الكلمة، أو الجملة، وهي قوله :﴿إِنَّمَآ أُوتِيتُه عَلَى عِلْم﴾.
﴿الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ﴾.
وهم قارون وقومه حيث قال : إنما أوتيته على علم عندي، وهم راضون به يعني لما رضي قومه بمقالته جمعوا معه.


الصفحة التالية
Icon