وقال بعضهم : يجوز أن يكون جميع من تقدمنا من الخيار والشرار، فيجوز أن يوجد في الأمم المتقدمة من يقول تلك الكلمة غير قارون أيضاً، ممن أبطرته واغتر بظاهرها.
﴿فَمَآ أَغْنَى عَنْهُم مَّا كَانُوا يَكْسِبُونَ﴾ من متاع الدنيا، ويجمعون منه يعني : أن النعمة لم تدفع عنهم النقمة والعذاب، ولم ينفعهم ذلك، يقال : أغنى عنه.
كذا إذا كفاه كما في "المفردات".
﴿فَأَصَابَهُمْ﴾ (بس رسيد ايشانرا).
﴿سَيِّـاَاتُ مَا كَسَبُوا﴾ جزاء سيئات أعمالهم وأجزية ما كسبوا وتسميتها سيئات ؛ لأنها في مقابلة سيئاتهم وجزاء سيئة سيئة مثلها.
ففيه رمز إلى أن جميع أعمالهم من قبيل السيئات.
والمعنى : أنهم ظنوا أن ما آتيناهم لكرامتهم علينا، ولم يكن كذلك ؛ لأنهم وقعوا في العذاب ولم تنفعهم أموالهم، وهذا كما قال اليهود :﴿نَحْنُ أَبْنَـاؤُا اللَّهِ وَأَحِبَّـاؤُهُ﴾ (المائدة : ١٨).
فقال تعالى خطاباً لحبيبه عليه السلام :﴿قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُم بِذُنُوبِكُم﴾ (المائدة : ١٨).
يعني : أن المكرم المقرب عند الله لا يعذبه الله، وإنما يعذب الخائن المهين المهان.
ثم أوعد كفار مكة، فقال :﴿وَالَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْ هَـاؤُلاءِ﴾ المشركين المعاصرين لك يا محمد، ومن للبيان وللتبعيض ؛ أي : أفرطوا في الظلم والعتوّ.
﴿سَيُصِيبُهُمْ سَيِّـاَاتُ مَا كَسَبُوا﴾ من الكفر والمعاصي كما أصاب أولئك والسين للتأكيد وقد أصابهم ؛ أي : أصابهم حيث قحطوا سبع سنين وقتل أكابرهم يوم بدر.
﴿وَمَا هُم بِمُعْجِزِينَ﴾ الله تعالى عن تخلي ذاتهم بحسب أعمالهم وأخلاقهم.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٦٨
وقال الكاشفي :(عاجز كنند كان مارا از تعذيب يا بيشي كيرند كان برعذاب).
يعني : يدركهم العذاب ولا ينجون منه بالهرب.
﴿فَأَصَابَهُمْ سَيِّـاَاتُ مَا كَسَبُوا وَالَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْ هَـاؤُلاءِ سَيُصِيبُهُمْ سَيِّـاَاتُ مَا كَسَبُوا وَمَا هُم بِمُعْجِزِينَ * أَوَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَآءُ وَيَقْدِرُا إِنَّ فِى ذَالِكَ لايَـاتٍ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ * قُلْ يا عِبَادِىَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّه إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّه هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ * وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَه مِن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لا تُنصَرُونَ﴾.
﴿أَوَلَمْ يَعْلَمُوا﴾.
أقالوا ذلك، ولم يعلموا أو أغفلوا، ولم يعلموا.
﴿أَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَآءُ﴾ أن يبسط له ؛ أي : يوسعه، فإن بسط الشيء نشره وتوسيعه.
يعني :(نه براى رفعت قدر او بلكه بمحض مشيت).
﴿وَيَقْدِرُ﴾ لمن يشاء أن يقدره له ؛ أي : يقتر ويضيق له من غير أن يكون لأحد مدخل ما في ذلك، حيث حبس عنهم الرزق سبعاً ثم بسط لهم سبعاً.
وقال الكاشفي :(وننك ميكند
١٢٢
برهركه ميخواهد نه براى خوارى وبى مقدارى أو بلكه از روى حكمت).
روي : أنهم أكلوا في سني القحط الجيف والجلود والعظام والعلهز، وهو الوبر بأن يخلط الدم بأوبار الإبل ويشوى على النار، وصار الواحد منهم يرى ما بينه وبين السماء، كالدخان من الجوع، فلم ينفعهم ذلك، حيث أصروا على الكفر والعناد.
﴿إِنَّ فِى ذَالِكَ﴾ الذي ذكر من القبض والبسط.
﴿لايَـاتٍ﴾ دالة على أن الحوادث كافة من الله تعالى بوسط عادي أو غيره.
﴿لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ﴾ إذ هم المستدلون بتلك الآيات على مدلولاتها.
وفي الآيات فوائد :
منها : إن من خصوصية نفس الإنسان أن تضطرّ إلى الله تعالى بالدعاء والتضرع في الشدة والضر والبلاء، فلا عبرة بهذا الرجوع بالاضطرار إلى الله تعالى ؛ لأنه إذا أنعم الله عليه بالخلاص والعافية من تلك الشدة والبلاء أعرض عن الله، ويكفر بالنعمة، ويقول : إن ما أوتيته عن علم عندي، وإنما العبرة بالرجوع إلى الله والتعرف إليه في الرخاء كما قال عليه السلام :"تعرف إلى الله في الرخاء يعرفك في الشدة".
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٦٨
ومنها : أن المدعين يقولون : نحن أهل الله، فإذا وصل إليهم بلاؤه فزعوا إليه ليرفع عنهم البلاء طلباً لراحة أنفسهم، ولا يرون المبلى في البلاء، وهم مشركون في طريق المعرفة، فإذا وصل إليهم نعمة ظاهرة احتجوا بها، فإذا هم أهل الحجاب من كلا الطرفين احتجبوا بالبلاء عن المبلى وبالنعمة عن المنعم.
قال الجنيد رضي الله عنه : من يرى البلاء ضراً، فليس بعارف، فإن العارف من يرى الضر على نفسه رحمة والضر على الحقيقة ما يصيب القلوب من القسوة والرين والنعمة إقبال القلوب على الله تعالى، ومن رأى النعمة على نفسه من حيث الاستحقاق فقد جحد النعمة.
ومنها : إن أكثر أهل النعمة لا يعلمون فتنة النعمة وسوء عاقبتها وببطر النعمة والاغترار بها تقسو قلوبهم، وتستولي عليهم الغفلة، وتطمئن نفوسهم بها وتنسى الآخرة والمولى.


الصفحة التالية
Icon