وقال بعضهم : الحسرة أن تأسف النفس أسفاً تبقى منه حسيراً ؛ أي : منقطعة.
والمعنى : يا حسرتي وندامتي احضري، فهذا أوان حضورك.
وبالفارسية :(اى بشيمانى من).
﴿عَلَى مَا فَرَّطتُ﴾ ؛ أي : على تفريطي وتقصيري، فما مصدرية.
قال الراغب : الإفراط أن يسرف في التقدم.
والتفريط أن يقصر فإن الفرط المتقدم.
﴿فِى جَنابِ اللَّهِ﴾ في جانبه، وهو طاعته وإقامة حقه وسلوك طريقه.
قال في "كشف الأسرار" العرب تسمي الجانب جنباً.
(اين كلمه برزبان عرب بسيار بود وجنانست كه مردمان كويند در جنب فلان توانكر شدم از بهلوى فلان مال بدست آوردم).
وقال الراغب : أصل الجنب الجارحة جمعه جنوب، ثم استعير في الناحية التي تليها كاستعارة سائر الجوارح لذلك نحو اليمين والشمال.
وقيل : جنب الحائط وجانبه.
وقوله : في جنب الله ؛ أي : في أمره وحده الذي حده لنا.
انتهى.
﴿وَإِن كُنتُ لَمِنَ السَّـاخِرِينَ﴾ : إن هي المخففة واللام هي الفارقة.
والسخر : الاستهزاء، ومحل الجملة النصب على الحال.
والمعنى فرطت، والحال : أني كنت في الدنيا من المستهزئين بدين الله وأهله.
قال قتادة : لم يكفهم ما ضيعوا من طاعة الله حتى سخروا بأهل طاعته.
در سلسلة الذهب فرمود :
روز آخر كه مرك مردم خوار
كند از خواب غفلتش بيدار
يادش آيدكه در جوار خداى
سالها زد بجرم وعصيان واى
هرجه درشصت سال يا هفتاد
كرده از خير وشربيش افتاد
يك بيك بيش جشم او آرند
آشكارا بروى اودارند
بكذراند زكنبد والا
بانك واحسرتا ووا ويلا
حسرت ازجان اوبر آرد دود
وان زمان حسرتش تدارد سود
قال الفارسي : يقول الله تعالى : من هرب مني أحرقته ؛ أي : من هرب مني إلى نفسه أحرقته بالتأسف على فوتي إذا شهد غداً مقامات أرباب معارفي يدل عليه قوله : يا حسرتا إلخ إذ لا يقوله إلا متحرق.
﴿أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ اللَّهَ هَدَاـانِى﴾ بالإرشاد إلى الحق.
﴿لَكُنتُ مِنَ الْمُتَّقِينَ﴾ من الشرك والمعاصي.
وفي الخبر :"ما من أحد من أهل النار يدخل النار حتى يرى مقعده من الجنة، فيقول : لو أن الله هداني لكنت من المتقين".
فيكون عليه حسرة.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٦٨
﴿أَوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى الْعَذَابَ﴾.
عياناً ومشاهدة.
﴿لَوْ أَنَّ لِى﴾.
لو : للتمني (اى كاشكى مرابودى).
﴿كَرَّةً﴾ رجعة إلى الدنيا يقال : كر عليه عطف، وعنه رجع.
والكره المرة.
والجملة كما في "القاموس".
﴿فَأَكُونَ﴾ بالنصب جواب التمني، يعني :(تاباشم آنجا).
﴿مِنَ الْمُحْسِنِينَ﴾.
في العقيدة والعمل واو للدلالة على أنها لا تخلو عن هذه الأقوال تحيراً وتعللاً بما لا طائل تحته وندماً، حيث لا ينفع.
وقيل : إن قوماً يقولون : هذا.
وقوماً يقولون : ذاك.
﴿بَلَى﴾ يعني :(ترا ارشاد كردند).
إن قلت : كلمة بلى مختصة بإيجاب النفي، ولا نفي في واحدة من تلك المقالات.
١٢٩
قلت : إنها رد للثانية، وكلمة لو تتضمن النفي، لأنها لامتناع الثاني لامتناع الأول ؛ أي : لو أن الله هداني لكنت من المتقين، ولكن ما هداني، فقال تعالى : بلى، قد هديتك و﴿قَدْ جَآءَتْكَ ءَايَـاتِى﴾ : آيات القرآن، وهي سبب الهداية، وفصله عن قوله :﴿لَوْ أَنَّ اللَّهَ هَدَاـانِى﴾ لما أن تقديمه على الثالث يفرق القرائن الثلاث التي دخلها، أو تأخير لو أن الله هداني.
إلخ.
يخل بالترتيب الوجودي ؛ لأنه يتحسر بالتفريط عند تطاير الكتب، ثم يتعلل بفقد الهداية عند مشاهدة أحوال المتقين واغتباطهم، ثم يتمنى الرجعة عند الاطلاع على النار، ورؤية العذاب، وتذكير الخطاب باعتبار المعنى، وهو الإنسان.
وروي : أن النبي عليه السلام قرأ قد جاءتك بالتأنيث، وكذا ما بعدها خطاباً للنفس.
﴿فَكَذَّبْتَ بِهَا﴾.
قلت : إنها ليست من الله.
﴿وَاسْتَكْبَرْتَ﴾ تعظمت عن الإيمان بها.
﴿وَكُنتَ مِنَ الْكَـافِرِينَ﴾ بها.
وفي "التأويلات النجمية" :﴿بَلَى قَدْ جَآءَتْكَ ءَايَـاتِى﴾ من الأنبياء ومعجزاتهم والكتب وحكمها ومواعظها وأسرارها وحقائقها ودقائقها وإشاراتها.
﴿فَكَذَّبْتَ بِهَا وَاسْتَكْبَرْتَ﴾ عن اتباعها والقيام بشرائطها.
﴿وَكُنتَ مِنَ الْكَـافِرِينَ﴾ ؛ أي : كافري النعمة بما أنعم الله به عليك من نعمة وجود الأنبياء، وإنزال الكتب وإظهار المعجزات.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٦٨
قالت المعتزلة : هذه الآيات الثلاث تدل على أن العبد مستقل بفعله من وجوه :
الأول : أن المرء لا يتحسر بما سبق منه إلا إذا كان يقدر على أن يفعل.
والثاني : أن من لا يكون الإيمان بفعله لا يكون مفرطا فيه.
والثالث : أنه لا يستحق الذم بما ليس من فعله.
والجواب : أن هذه الآيات لا تمنع تأثير قدرة الله تعالى في فعل العبد ولا ما فيه إسناد الفعل إلى العبد حيث قال :﴿بَلَى قَدْ جَآءَتْكَ﴾ إلخ.
ونحو قوله تعالى :﴿يُضِلُّ مَن يَشَآءُ وَيَهْدِى مَن يَشَآءُ﴾ (النحل : ٩٣) يدل على بطلان مذهبهم.