﴿بَلَى قَدْ جَآءَتْكَ ءَايَـاتِى فَكَذَّبْتَ بِهَا وَاسْتَكْبَرْتَ وَكُنتَ مِنَ الْكَـافِرِينَ * وَيَوْمَ الْقِيَـامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللَّهِ وُجُوهُهُم مُّسْوَدَّةٌا أَلَيْسَ فِى جَهَنَّمَ مَثْوًى لِّلْمُتَكَبِّرِينَ * وَيُنَجِّى اللَّهُ الَّذِينَ اتَّقَوْا بِمَفَازَتِهِمْ لا يَمَسُّهُمُ السُّواءُ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ * اللَّهُ خَـالِقُ كُلِّ شَىْءٍا وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَىْءٍ وَكِيلٌ * لَّه مَقَالِيدُ السَّمَـاوَاتِ وَالارْضِا وَالَّذِينَ كَفَرُوا بآيات اللَّهِ أولئك هُمُ﴾.
﴿وَيَوْمَ الْقِيَـامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللَّهِ﴾ ؛ بأن وصفوه بما لا يليق بشأنه كاتخاذ الولد والصاحبة والشريك.
﴿وُجُوهُهُم مُّسْوَدَّةٌ﴾ مبتدأ وخبر.
والجملة حال قد اكتفي فيها بالضمير عن الواو على أن الرؤية بصرية، أو مفعول ثان لها على أنها عرفانية.
والمعنى : تراهم حال كونهم أو تراهم مسودة الوجوه بما ينالهم من الشدة، أو بما يتخيل من ظلمة الجهل.
وبالفارسية :(رويهاى ايشان سياه كرده شد بيش از دخول دوزخ وآن علامت دوز خيانست كه).
﴿يُعْرَفُ الْمُجْرِمُونَ بِسِيمَـاهُمْ﴾ (الرحمن : ٤١).
سئل الحسن عن هذه الآية.
﴿وَيَوْمَ الْقِيَـامَةِ﴾ إلخ.
فقال : هم الذين يقولون الأشياء إلينا إن شئنا فعلنا وإن شئنا لم نفعل.
وفي "التأويلات النجمية" : يشير إلى أن يوم القيامة تكون الوجوه بلون القلب، فالقلوب الكاذبة لما كانت مسودة بسواد الكذب وظلمته تلونت وجوههم بلون القلوب.
قال يوسف بن الحسين رحمه الله : أشد الناس عذاباً يوم القيامة من ادعى في الله ما لم يكن له ذلك، أو أظهر من أحواله ما هو خال عنها.
﴿أَلَيْسَ فِى جَهَنَّمَ﴾.
(آيانيست در دوزخ يعنى هست).
﴿مَثْوَى﴾ مقام.
﴿لِّلْمُتَكَبِّرِينَ﴾ عن الإيمان والطاعة.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٦٨
وفي "التأويلات النجمية" ؛ أي : الذين تكبروا على أولياء الله، وامتنعوا عن قبول النصح والموعظة.
﴿وَيُنَجِّى اللَّهُ الَّذِينَ اتَّقَوْا﴾ الشرك والمعاصي ؛ أي : من جنهم.
﴿بِمَفَازَتِهِمْ﴾ مصدر ميمي بمعنى الفوز : من فاز بالمطلوب ؛ أي : ظفر به.
قال الراغب : الفوز الظفر مع حصول السلامة.
والباء : متعلقة بمحذوف هو حال من الموصول
١٣٠
مفيدة لمفازة تنجيتهم من العذاب لنيل الثواب ؛ أي : ينجيهم من مثوى المتكبرين حال كونهم ملتبسين بفوزهم بمطلوبهم الذي هو الجنة.
﴿لا يَمَسُّهُمُ السُّواءُ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ﴾.
حال أخرى من الموصول مفيدة لكون نجاتهم وفوزهم بالجنة غير مسبوقة بمساس العذاب والحزن.
قال في "كشف الأسرار" لا يمس أبدانهم أذى.
وقلوبهم حزن، ويجوز أن تكون المفازة من فاز منه ؛ أي : نجا منه.
والباء للملابسة.
وقوله تعالى :﴿لا يَمَسُّهُمُ﴾ إلخ.
تفسير وبيان لمفازتهم ؛ أي : ينجيهم بسبب مفازتهم التي هي تقواهم، كما يشعر به إبراده في حيز الصلة، وإما على إطلاق المفازة على سببها الذي هو التقوى، فليس المراد نفي دوام المساس، والحزن بل دوام نفيهما.
وفي الآية إشارة إلى أن الذين اتقوا بالله عما سوى الله لا يمسهم سوء القطيعة والهجران ولا هم يحزنون على ما فاتهم من نعيم الدنيا والآخرة، إذ فازوا بقربة المولى، وهو فوز فوق كل فوز، فالمتقون فازوا بسعادة الدارين اليوم عصمة وغداً رؤية واليوم عناية وغداً كفاية وولاية.
نسأل الله سبحانه أن يعصمنا مما يؤدي إلى الحجاب، ويجعلنا في حمايته في كل باب.
وفي الآية ترغيب للتقوى ؛ فإنها سبب للنجاة وبها تقول جهنم : جز يا مؤمن، فإن نورك أطفأ ناري، وبها يخاف الخلائق من المتقى.
ألا ترى أن رسول الروم لما دخل على أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه أخذته الرعدة والخوف.
قال في المثنوي :
هيبت حقست اين از خلق نيست
هيبت اين مرد صاحب دلق نيست
هركه ترسيد ازحق وتقوى كزيد
ترسد ازوى جن وانس وهركه ديد
وفي "البستان" :
توهم كردن از حكم داور مبيج
كه كردن نبيجد زحكم توهيج
محالست جون دوست داردترا
كه دردست دشمن كذار دترا
وجاء إلى ذي النون المصري رحمه الله بعض الوزراء وطلب الهمة، وأظهر الخشية من السلطان، فقال له : لو خشيت أنا من الله كما تخشى أنت من السلطان، لكنت من جملة الصديقين :
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٦٨
كرنبودى اميد راحت ورنج
باى درويش بر فلك بودى
ور وزير از خدا بترسيدى
همجنان كز ملك ملك بودى
نسأل الله سبحانه أن يجعلنا مخلصين له.
﴿اللَّهُ خَـالِقُ كُلِّ شَىْءٍ﴾.
من خير وشر وإيمان وكفر، لكن لا بالجبر، بل بمباشرة الكاسب لأسبابها.


الصفحة التالية
Icon