وهو تجاوز الحد في العصيان ﴿وَلَـاكِن كَانَ﴾ هو بالذات ﴿فِى ضَلَـالا بَعِيدٍ﴾ من الحق طويل لا يرجع عنه فأعنته عليه بالإغواء والدعوة ءليه من غير قسر والجاء كما في قوله تعالى : وما كان لي عليكم من سلطان إلا أن دعوتكم فاستجبتم لي وذلك فإن إغواى الشيطان إنما يوثر فيمن كان مختل الرأي مائلاً إلى الفجور ضالاً عن طريق الحق واقعاً دونه بمراحل وفي الحديث إنما أنا رسول وليس إلى من الهداية شيء ولو كانت الهداية إلي لآمن كل من في الأرض وإنما إبليس مزين وليس له من الضلالة شيء وهو كانت الضلالة إليه لا ضل كل من في الأرض ولكن الله يضل من يشاء ويهدي من يشاء ﴿قَالَ﴾ كأنه قيل فماذا قال الله لابن آدم وشيطانه المقيض له في الدنيا فقيل قال تعالى :﴿لا تَخْتَصِمُوا لَدَىَّ﴾ أي في موقف الحساب والجزاء إذ لا فائدة في ذلك قال بعضهم : هذا الخطاب في الكفار وأما قوله ثم إنكم يوم القيامة عند ربكم تختصمون ففي المؤمنين في الظالم فيما بينهم لأن الاختصام في الظالم مسموع وهذا في الموقف وأما قوله إن ذلك لحق تخاصم أهل النار ففي جهنم فظهر التوفيق بين الآيات ﴿وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُم بِالْوَعِيدِ﴾ على الطغيان في دار الكسب والتكليف في كتبي وألسنة رسلي فما تركت لكم حجة علي فلا تطمعوا في الخلاص منه بما أنتم فيه من التعلل بالمعاذير الباطلة والجملة حال فيها تعليل للنهي على معنى لا تختصموا وقد صح عندكم وعلمتم أني قدمت إليكم بالوعيد حيث قلت لإبليس لأملأن جهنم منك وممن تبعك منهم أجمعين فاتبعتموه معرضين عن الحق فلا وجه للاختصام في هذا الوقت وإنما قدر المعنى هكذا ليصح جعله حالاً فإن مقارنة الحال لذيها في الزمان واجبة لا مقارنة بين تقديم الوعيد في الدنيا والاختصام في الآخرة والباء مزيدة أو معدية على أن قدم بمعنى تقدم ﴿مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَىَّ﴾ أي لا يغير قولي في الوعد والوعيد فما يظهر في الوقت هو الذي قضيته في الأزل لا مبدل له والعفو عن بعض المذنبين لأسباب داعية إليه ليس بتبذليل فإن دلائل العفو تدل على تخصيص الوعيد يعني ولا مخصص في حق الكفار فالوعيد على عمومه في حقهم قال الجلال الدواني في شرح العضد ذهب بعض العلماء إلى أن الخلف في الوعيد جائز على الله تعالى لا في الوعد وبهذا وردت السنة حيث قال عليه السلام :"من وعد لاحد على عمله ثواباً فهو منجز له ومن أوعده على عمله عقاباً فهو بالخيار والعرب لا تعد عيباً ولا خلفاً أن يعد شراً ثم لا يفعله بل ترى ذلك كرماً وفضلاً وإنما الخلف أن يعد خيراً ثم لا يفعله" كما قال :
جزء : ٩ رقم الصفحة : ٩٩
وإني إذا أوعدته أو وعدته
لمخلف ايعادي ومنجز موعدي
وأحسن يحيى بن معاذ رضي الله عنه في هذا المعنى حيث قال الوعد والوعيد حق فالوعد حق العباد على الله ضمن لهم إذا فعلوا ذلك أن يعطيهم كذا ومن ولى بالوفاء من الله والوعيد حقه على العباد قال : لا تفعلوا كذا فأعذبكم ففعلوا فإن شاء عفا وإن شاء آخذ لأنه حقه وأولاهما العفو والكرم لأنه غفور رحيم فالله تعالى لا يغفر أن يشرك به فينجز وعيده في حق المشركين ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء فيجوز أن يخلف وعيده في حق المؤمنين ولأهل الحقائق كلام آخر مذكور في محله عافانا الله وإياكم من بلائه ﴿وَمَآ أَنَا بِظَلَّـامٍ لِّلْعَبِيدِ﴾ أي وما
١٢٥


الصفحة التالية
Icon