أنا بمعذب للعبيد بغير ذنب من قبلهم والتعبير عنه بالظلم مع أن تعذيبهم بغير ذنب ليس بظلم على ما تقرر من قاعدة أهل السنة فضلاً عن كونه ظلماً مفرطاً لبيان كمال نزاهته تعالى عن ذلك بتصويره بصورة ما يستحيل صدوره عنه من الظلم وصيغة المبالغة لتأكيد هذا المعنى بإبراز ما ذكر من التعذيب بغير ذنب في معرض المبالغة في الظلم وقيل هي لرعاية جمعية العبيد من قولهم فلان ظالم لعبده وظلام لعبيده على أنها مبالغة كما لا كيفا وقال بعضهم يفهم من ظاهر العبارة جواز الظلم المحال منه تعالى إذا النفي مسلط على القيد الذي هو الظلامية والجواب على ما اختاره كثير من المحققين أن المبالغة مسلطة على النفي لا على القيد كما في قوله ما أنا بكذوب يعني أن أصله ليس بظالم ثم نقل مع نفيه إلى صيغة المبالغة فكانت المبالغة راجعة إلى النفي على معنى أن الظل منفي عنه نفياً مؤكداً مضاعفاً ولو جعل النفي داخلاً على صيغة المبالغة بأن ضعف ظالم بدون نفيه ثم أدخل عليه النفس لكان المعنى أن ضعف الظلم منفي عنه تعالى ولا يلزم منه نفي أصله والله تعالى منزه عن الظلم مطلقاً يقول الله تعالى إني حرمت الظلم على نفسي وحرمته على عبادي فلا تظالموا ويقول الله تعالى اشتد غضبي على من ظلم من لا يجد ناصراً غيري وعن بعض السلف دعوتان أرجو إحداهما كما أخشى الأخرى : دعوة مظلوم أعنته ودعوة ضعيف ظلمته وكان من ديدن السلطان بسمرقند الامتحان بنفسه مرات لطلبة مدرسته المرتبين أعالي وأواسط وأداني بعد تعيين جماعة كثيرة من العدول غير المدرس للامتحان من الأفاضل حذراً من الحيف وكان يعد الحيف في الرتبة بين المستعدين من قبيل الكفر في الدين.
جزء : ٩ رقم الصفحة : ٩٩
قال الشيخ سعدي :
وخواهى كه فردا برى مهترى
مكن دشمن خويشتن كهترى
كه ون بكذرد برتواين سلطنت
بكيرد بقهرآن كدا دامنت
وفي الآية إشارة إلى أن الله تعالى قال هؤلاء في الجنة ولا إبالي وهؤلاء في النار ولا إبالي فلا يبدل قوله تعالى فلا بد للجنة من أهلها وللنار من أهلها ولو عكس وجعل أهل الجنة في النار وأهل النار في الجنة لكان مخالفاً للحكمة لأن الجنة دار الجمال فهي مقر للمؤمنين والنار دار الجلال فهي مقر للكافرين كما أن القلب مقر الأوصاف الحميدة والنفس مقر الأوصاف الذميمة ولذا لا يدخل أهل النفس جنة القلب لأن النور والظلمة لا يجتمعان فاعرف ﴿يَوْمَ﴾ أي اذكر يا محمد لقومك ويشمل كل من شأنه الذكر يوم ﴿نَقُولُ﴾ بما لنا من العظمة ﴿لِجَهَنَّمَ﴾ دار العذاب وسبحان الله للعصاة ﴿هَلِ امْتَاتِ﴾ بمن ألقى فيك وهل أوفيك ما وعدتك وهو قوله لأملأن جهنم وقوله لكل واحدة منكما ملؤها فهذا السؤال من الله لتصديق خبره وتحقيق وعده والتقريع لأهل عذابه والتنبيه لجميع عباده ﴿وَتَقُولُ﴾ جهنم مجيبة بالاستفهام تأدباً وليكون الجواب وفق السؤال ﴿هَلْ مِن مَّزِيدٍ﴾ أي من زيادة من الجن والإنس فيكون مصدراً كالمحيد أو من يزاد فيكون مفعولاً كالمبيع ويجوز أن يكون يوم ظرف المقدر مؤخر أي يكون من الأحوال والأهوال ما يقصر عنه المقال واختلف الناس في أن الخطاب والجواب هل هما على الحقيقة أولاً فقال بعضهم : هما على الحقيقة فينطقها الله بذلك كما ينطق الجوارح وهو المختار فإن الله على كل شيء قدير
١٢٦
وأمور الآخرة كلها أو جلها على خلاف ما تعورف في الدنيا وقد دلت الأحاديث على تحقق الحقيقة فلا وجه للعدول إلى المجاز كما روي من زفرتها وهجومها على الناس يوم الحشر وجرها الملائكة بالسلاسل وقولها جزيا مؤمن فإن نورك أطفأ لهبي ونحو ذلك مما يدل على حياتها الحقيقية وإدراكها فإن مطلق الجمادات لها تلك الحياة في الحقيقة فكيف بالدارين المشتملين على الشؤون العجيبة والأفعال الغريبة وأن الدار الآخرة لهي الحيوان وقال بعضهم : سؤال وجواب جيىء بهما على منهاج التمثيل والتخييل لتهويل أمرها يعني أن المقصود تصوير المعنى في القلب وتبيينه فهي بحيث لو قيل لها ذلك وهي ناطقة لقالت ذلك وأيضاً دلت بحالها على النطق كقولهم :
جزء : ٩ رقم الصفحة : ٩٩
امتلأ الحوض وقال قطني
مهلاً رويداً قد ملأت بطني