وأيضاً أن الحرص الإنساني قشر محبة الله بل هو عين المحبة إذا كان متوجهاً إلى الدنيا وشهواتها يسمى الحرص وإذا كان متوجهاً إلى الله وقربانه يسمى محبة فاعلم أن ما زاد في الحرص نقص في المحبة وما نقص من الحرص زاد في المحبة وإذا اشتعلت نار المحبة فلا تسكن يائرتها بما يلقى فيها من محبوبات الدنيا والآخرة بل يكون حطبها وتزيد بعضها إلى بعد وتقول قط قط كما في التأويلات النجمية ﴿وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ﴾ الإزلاف نزديك كردانيدن اى قربت ﴿لِلْمُتَّقِينَ﴾ عن الكفر والمعاصي بحيث يشاهدونها من الموقف ويقفون على ما فيها من فتون المحاسن فيبتهجون بأنهم محشورون إليها فائزون بها ﴿غَيْرَ بَعِيدٍ﴾ تأكيد للازلاف أي مكاناً غير بعيد بحيث ينظرون إليها قبل دخولها فيكون انتصابه على الظرفية أو هو حال مؤكدة أي حال كونها غير بعيد أي شيء غير بعيد كقولك هو قريب غير بعيد وعزيز غير ذليل إلى غير ذلك من أمثلة التوكيد فالأزلاف تقريب الرؤية وغير بعيد تقريب الدخول فإنهم يحاسبون حساباً يسيراً ومنهم من لا يحاسب أصلا ويجوز أن يكون التذكير لكونه على زنة المصدر الذي يستوي في الوصف به المذكر والمؤنث كالزئير والصليل والتأويل الجنة بالبستان وفي إشارة إلى جنة قلوب خواص المتقين أنها قربت لهم في الدنيا بالأجساد وهم في الآخرة بالقلوب.
جنت نقدست اينجا عشرت وعيش وحضور.
ويقال أن الجنة تقرب من المتقين كما أن النار تجر بالسلاسل إلى المحشر للمجرمين ويقال بل تقرب الجنة بأن يسهل على المتقين مسيرهم إليها ويراد بهم الخواص من المتقين ويقال هم ثلاثة أصناف قوم يحشرون إلى الجنة مشاة وهم الذين قال فيهم وسبق الذين اتقوا ربهم إلى الجنة زمراً وهم عوام المؤمنين وقوم يحشرون إلى الجنة ركباناً على طاعتهم المصورة لهم بصورة حيوان وهؤلاء هم الخواص وأما خاص الخاص فهم الذين قال فيهم وأزلفت الجنة للمتقين فقرب الجنة منهم غير بعيد أي الجنة غير بعيد عنهم وهم البعداى عن الجنة في مقعد صدق عند مليك مقتدر ﴿هَـاذَا مَا تُوعَدُونَ﴾ أي حال كون أولئك المتقين مقولاً لهم من قبل الله أو على ألسنة الملائكة عندما شاهدوا الجنة ونعيمها هذا المشاهد أو هذا الثواب أو الازلاف والتذكير لتذكير الخبر أو إشارة
١٣٠
إلى الجنة والتذكير لما أن المشار إليه هو المسمى من غير أن يخطر بالبال لفظ يدل عليه فضلاً عن تذكيره وتأنيثه فإنهما من أْكام اللفظ العربي كما في قوله تعالى فلما رأى الشمس بازغة قال : هذا ربي وقوله ولما رأى المؤمنون الأحزاب قالوا : هذا ما وعدنا الله ورسوله.
جزء : ٩ رقم الصفحة : ٩٩
وفي التأويلات النجمية هذا إشارة إلى مقعد صدق ولو كانت الإشارة إلى الجنة لقال هذا ﴿لِكُلِّ أَوَّابٍ﴾ بدل من المتقين بإعادة الجار أي رجاع إلى الله فأولاً يرجع من الشرك إلى التوحيد وثانياً من المعصية إلى الطاعة وثالثاً من الخلق إلى الحق قال ابن عمر رضي الله عنهما : لا يجلس مجلساً فيقوم حتى يستغفر وفي المفردات الأواب كالتواب وهو الراجع إلى الله بترك المعاصي وفعل الخيرات ومنه قيل للتوبة أوبة والفرق بين الأوب والرجوع أن الأوب ضرب من الرجوع وذلك أنه لا يقال إلا في الحيوان الذي له إرادة والرجوع يقال فيه وفي غيره آب أو باو ايابا ومآبا والمآب مصدر منه واسم الزمان والمكان ﴿حَفِيظُ﴾ حافظ لتوبته من النقض ولعهده من الرفض.
قال في التأويلات النجمية : مقعد صدق هو في الحقيقة موعود للمتقين الموصوفين بقوله لكل اواب حفيظ وهو الراجع إلى الله في جميع أحواله لا إلى ما سواه حافظاً لأنفاسه مع الله لا يصرفها إلا في طلب الله يعني درهر نفس از حق تعالى غافل نباشد :
اكر تواس دارى اس انفاس
بسلطاني رسانندت ازين اس
ترا يك ند بس درهر دو عالم
كه برنايد زجانت بى خدادم


الصفحة التالية
Icon