يقول الفقير : هذه الآية نظير قوله تعالى أولم يروا أن الله الذي خلق السموات والأرض ولم يعي مخلقهن بقادر على أن يحيي الموتى يدل عليه ما بعد الآية وهو قوله :﴿فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ﴾ أي ما يقوله المشركون في شأن البعث من الأباطيل المبنية على الإنكار واستبعاد فإن من فعل هذه الأفاعيل بلا فتور قادر على بعثهم والانتقام منهم أوما يقوله اليهود من مقالات الكفر والتشبيه وغيرهم وفي تفسير المناسبات لما دل سبحانه على شمول العلم وإحاطة القدرة وكشف فيهما الأمر أتم كشف وكان علم الحبيب القادر بما يفعل العدو أعظم نذارة للعدو وبشارة للولي سبب عن ذلك قوله فاصبر على ما يقولون أي على جميع الذي يقوله الكفرة وغيرهم انتهى وفيه إشارة إلى تربية النفوس بالصبر على ما يقول الجاهلون من كل نوع من المكروهات وتزكيتها من الصفات المذمومات ملازمة للذكر والتسبيحات والتحميدات كما قال ﴿وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ﴾ أي نزهه تعالى عن العجز عما يمكن وعن وقوع الخلف في أخباره التي من جملتها الإخبار بوقوع البعث وعن وصفه بما يوجب التشبيه حال كونك ملتبساً بحمده على ما أنعم عليك من إصابة الحق وغيرها قال سهل في الأمالي : سر اقتران الحمد بالتسبيح أبداً كما في الآية وفي قوله : وإن من شيء إلا يسبح بحمده إن معرفة الله تنقسم قسمين : معرفة ذاته ومعرفة أسمائه وصفاته، ولا سبيل ءلى إثبات أحد القسمين دون الآخر وإثبات وجود الذات من مقتضى العقل وإثبات الأسماء والصفات من مقتضى الشرع فبالعقل عرفت المسمى وبالشرع عرفت المسمى ولا يتصور في العقل إثبات الذات إلا مع نفي سمات الحدوث عنها وذلك هو التسبيح ومقتضى العقل مقدم على مقتضى الشرع وإنما جاء الشرع المنقول بعد حصول النظر والعقول فنبه العقول على النظر فعرفت ثم علمها ما لم تكن تعلم من الأسماء فانضاف لها إلى التسبيح الحمد والثناء فما أمرنا إلا بتسبيحه بحمده ﴿قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ﴾ هما وقتا الفجر والعصر وفضيلتهما مشهورة فالتسبيح فيهما بمكان وفي طه قبل طلوع الشمس وقبل غروبها راعى القياس لأن الغروب للشمس كما أن الطلوع لها ﴿وَمِنَ الَّيْلِ فَسَبِّحْهُ﴾ أي وسبحه بعض الليل فقوله من الليل مفعول لفعل مضمر معطوف على سبح بحمد ربك يفسره فسبحه ومن للتبعيض ويجوز أن يعمل فيه الذكور أيضاً
١٣٩
ولا تمنع الفاء عن عمل ما بعدها فيما قبلها كما يجيىء في سورة قريش وقال بعض الكبار قبل طلوع الشمس يعني من أول النهار وقبل الغروب يعني إلى آخر النهار ومن الليل فسبحه يعني من جميع الليل بقدر الوسع والطاقة.
جزء : ٩ رقم الصفحة : ٩٩


الصفحة التالية
Icon