واعلم أن الحشر حشر عام وهو خروج الأجساد من القبور إلى المحشر يوم النشور وحشر خاص وهو خروج الأرواح الأخروية من قبور الأجسام الدنيوية بالسير والسلوك في حال حياتهم إلى العالم الرواحاني وذلك بالموت بالإرادة عن الصفات الحيوانية النفسانية قبل الموت بالاضطرار عن الصورة الحيوانية وحشر أخص وهو الخروج من قبور الأنانية الروحانية إلى الهوية الربانية وكما أن الموت نوعان : اضطراري واختباري فكذا الولادة الاضطرارية بخلق الله تعالى لا مدخل فيها الكسب العبد واختياره وأما الاختيارية فإنما تحصل بالكسب وهو الذي أشار إليه عيسى عليه السلام بقوله : لن يلج ملكوت السموات من لم يولد مرتين ﴿يَوْمَ تَشَقَّقُ الارْضُ عَنْهُمْ﴾ بحذف إحدى التاءين من تتشقق أي تتصدع قال في تاج المصادر التشقق شكافته شدن والمعنى بالفارسية بياد آر روزى راكه بشكافد زمين ودور شود ز آدميان يعني مردكان س بيرون آبيد ازقبرها ﴿سِرَاعًا﴾ حال من المجرور وهو جمع سريع والسرعة ضد البطىء ويستعمل في الأجسام والأفعال ويقال سرع فهو سريع وأسرع فهو مسرع والمعنى حال كونهم مسرعين إلى إسجابة الداعي من غير التفات يميناً وشمالاً هذا كقوله مهطعين إلى الداع ﴿ذَالِكَ﴾
جزء : ٩ رقم الصفحة : ٩٩
أين إحياى ايشان ازقبور ﴿حَشْرٌ﴾ بعث وجمع وسوق ﴿عَلَيْنَا يَسِيرٌ﴾ أي هين علينا نقول له كن فيكون وهو كلاء معادل لقول الكفرة ذلك رجع بعيد وتقديم الجار والمجرور لتخصيص اليسر به تعالى فإن ذلك لا يتيسر إلا على العالم القادر لذاته الذي لا يشغله شأن من شأن كما قال ما خلقكم ولا بعثكم إلا كنفس واحدة ﴿نَّحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَقُولُونَ﴾ من نفي البعث وتكذيب الآيات الناطقة به وغير ذلك مما لا خير فيه وهو تسلية لرسول الله عليه السلام وتهديد لهم ﴿وَمَآ أَنتَ عَلَيْهِم بِجَبَّارٍ﴾ بمسلط تقسرهم على الإيمان أو تفعل بهم ما تريد وإنما أنت مذكر هذا كقوله إنما أنت مذكر لست عليهم بمسيطر أي لست بمتسلط عليهم تجبرهم بما تريد وأصل الجبر إصلاح الشيء بضرب من القهر والجبار في اسم الله تعالى هو الذي جبر العباد على ما أراد ﴿فَذَكِّرْ﴾ س ندكوى ﴿بِالْقُرْءَانِ مَن يَخَافُ وَعِيدِ﴾ أي عظم بمواعظه فإنهم المنتفعون به كما قال فذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين وأما من عداهم فنفعل بهم ما يوجبه أقوالهم وتستدعيه أعمالهم من ألوان العقاب وفنون العذاب كقوله إنما تنذر من أتبع الذكر وخشي الرحمن بالغيب والوعيد التخويف بالعذاب ويستعمل
١٤٤
في نفس العذاب كما مر قال بعض العارفين أمر الله نبيه عليه السلام أن يذكر الخاشعين من عظمته والخائفين من كبرائيه بالقرآن لأنهم أهله وأهل القرآن أهل الله وخاصته هم يعرفون حقائق الخطاب بنعت العبودية وهم بالقرآن يرتقون إلى معادنه فيرون الحق بالحق بلا حجاب ويصعدون به إلى الأبد وقال أحمد بن همدان رحمه الله : لا يتعظ بمواعظ القرآن إلا الخائفون على إيمانهم وإسلامهم وعلى كل نفس من أنفاسهم وقال بعضهم : إنما يؤثر التخويف والإنذار والتذكير في الخائفين فأما من لا يخاف فلا ينجح فيه ذلك وطير السماء على أوكارها تقع وقال بعضهم : وما أنت عليهم بجبار هذا خطاب مع القلب يعني ما أنت على النفس وصفاتها بمتسلط بنفسك إلا بنا فذكر بالقرآن أي بدقائق وعانيه وحقائق أسراره من يخاف وعيد يعني بعض النفوس القابلة لتذكير القرآن ووعيده فإنه ليس لك نفس قابلة له.
قال الشيخ سعدي :
درخير بازست هركز وليك
نه هركس تواناست برفعل نيك
كسى راكه ندار درسر بود
جزء : ٩ رقم الصفحة : ٩٩
مندار هركز كه حق بشنود
زعلمش ملال آيداز وعظ ننك
شقايق بباران نرويد زسنك
بكوشش نرويد كل ازشاخ بيد
نه زنكى به كرمابه كرد دسفيد
نيايد نكوكارى از بدر كان
وليكن نيايد زسنك آينه
كان رسول الله عليه السلام يخطب بسورة ق في كثير من الأوقات لاشتمالها على ذكر الله تعالى والثناء عليه ثم على علمه بما توسوس به النفوس وما تكتبه الملائكة على الإنسان من طاعة وعصيان ثم تذكير الموت وسكرته ثم تذكير القيامة وأهوالها والشهادة على الخلائق بأعمالهم ثم تذكير الجنة والنار ثم تذكير الصيحة والنشور والخروج من القبور ثم بالمواظبة على الصلوات قال السيوطي في كتاب الوسائل : أول من قرأ في آخر الخطبة أن الله يأمل بالعدل والإحسان الآية عمر بن عبد العزيز ولزمها الخطباء إلى عصرنا هذا وكان النبي عليه السلام يقرأ ق وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقرأ إذا الشمس كورت إلى قوله ما أحضرت وكان عثمان بن عفان رضي الله عنه يقرأ آخر سورة النساء يستفتونك الآية وكان علي بن أبي طالب رضي الله عنه يقرأ الكافرون والإخلاص ذكر ذلك ابن الصلاح وفي الحديث من قرأ سورة ق هون الله عليه تارات الموت وسكراته قيل تارات الموت إفاقاته وغشياته كما في حواشي سعدي المفتي رحمه الله.
جزء : ٩ رقم الصفحة : ٩٩


الصفحة التالية
Icon