نسأل الله سبحانه أن يدلنا على سلوك طريقه ويوصلنا إلى جنابه بتوفيقه أنه هو الكريم الرحيم ﴿إِنَّ الْمُتَّقِينَ﴾ عن الكفر والمعصية والجهل والميل إلى ما سوى المولى والمتصفين بالإيمان والطاعة والمعرفة والتوجه إلى الحضرة العليا ﴿فِى جَنَّـاتٍ﴾ أي بساتين لا يعرف كنهها فالتنكير للتعظيم ويجوز أن يكون للتكثير كما في قوله إن له لا بلا وإن له لغنما والعرب تسمى النخيل جنة ﴿وَعُيُونٍ﴾ أي أنهار جارية أي تكون الأنهار بحيث يرونها وتقع عليها أبصارهم لا أنهم فيها وعن سهل رضي الله عنه التقى في الدنيا في جنات الرضى يتقلب وفي عيون الناس يسبح وقال بعضهم في جنات قلوبهم وعيون الحكمة في عاجلهم وفي جنات الفضل وعيون الكرم فغدا تجلى ودرجات واليوم مناجاة وقربات ﴿ءَاخِذِينَ مَآ ءَاتَـاـاهُمْ رَبُّهُمْ﴾ حال من الضمير في الجار أي قابلين لكل ما أعطاهم من الثواب راضين به على معنى أن كل ما أعطاهم حسن مرضي متلقى بالقبول ليس فيه ما يرد لأنه في غاية الجودة ومنه قوله ويأخذ الصدقات أي يقبلها ويرضاها قال بعضهم : آخذين ما آتاهم ربهم اليوم بقلوب فارغة إلى الله من أصناف ألطافه وغداً يأخذون وما يعطيهم ربهم في الجنة من فنون العطاء والرفد ثم علل استحقاقهم ذلك بقوله :﴿إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَالِكَ﴾ قبل دخول الجنة أي في الدنيا ﴿مُحْسِنِينَ * كَانُوا قَلِيلا مِّن الَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ﴾ الهجوع النوم بالليل دون النهار وما مزيدة لتأكيد معنى التقليل فإنها تكون لإفادة التقليل كما في قولك أكلت أكلاً ما وقليلاً ظرف ويهجعون خبر كانوا أي كانوا يهجعون في طائفة قليلة من الليل أو صفة مصدر محذوف أي كانوا يهجعون هجوعاً قليلاً من أوقات الليل يعني يذكرون ويصلون أكثر الليل وينامون أقله ولا يكونون مثل البطالين الغافلين النائمين إلى الصباح وقال بعض أهل الإشارة فيه إشارة إلى أن أهل الإحسان وهم أهل المحبة والمشاهدة لا ينامون بالليل لأن القلة عبادة عن العدم ومعنى عدم نومهم ما أشار إليه صلى الله عليه وسلّم بقوله : نوم العالم عبادة فمن يكون في العبادة لا يكون نائماً قيل : نزلت الآية في شأن الأنصار رضي الله عنهم حيث كانوا يصلون في مسجد النبي عليه السلام ثم يمضون إلى قبا وبينهما ميلان وهما ساعة واحدة بالساعة النجومية.
جزء : ٩ رقم الصفحة : ١٤٥
وقال الكاشفي : اشهر آنست كه خواب نكردندى تا نماز خفتن ادا نفر مودندى ووقت آنرا دراز كشيدندى.
وعن جعفر بن محمد أنه قال : من لم يهجع ما بين المغرب والعشاء حتى يشهد العشاء فهو منهم وعن أبي الدرداء رضي الله عنه قال : سألت رسول الله صلى الله عليه وسلّم أي صلاة الليل أفضل قال في نصل الليل وقليل فاعله.
قال بعضهم :
نركس اندر خواب غفلت يافت بلبل صد وصال
خفته نابينا بوددولت به بيداران رسد
١٥٣
وفي المثنوي :
درد شتم داد حق تامن زخواب
برهم درنيم شب باسوز وتاب
درد درها بخشيد حق ازلطف خوبش
تانخسبم جمله شب ون كاو ميش
قال داود بن رشيد من أصحاب محمد بن الحسن قمت ليلة فأخذني البرد فبكيت من العرى فنمت فرأيت قائلاً يقول : يا داود أنمناهم وأقمناك فتبكي علينا فما نام داود بعد تلك الليلة.
روزى شاكردى از شاكردان ابو حنيفة رحمه الله اوراكفت مردمان مى كويندكه ابو حنيفه هي بشب نمى خسبد كفت نيت كردم كه هركز ديكر نخسبم لما قال تعالى ويحبون أن يحمدوا بما لم يفعلوا ومن نخواهم كه ازان قوم باشم كه ايشانرا بيزى كه نكرده باشند ياد كنند بعد ازان سى سال نماز بامداد بطهارت نماز خفتن كزارد.
قال الشيخ ابو عمرو في سبب توبته : سمعت ليلة حمامة تقول : يا أهل الغفلة قوموا إلى ربكم رب كريم يعطي الجزيل ويغفر الذنب العظيم فلما سمت ذلك ذهبت عني ثم لما جئت إلي وجدت قلبي خالياً عن حب الدنيا فلما أصبحت لقيت الخضر عليه السلام فدلني على مجلس الشيخ عبد القادر الكيلاني رضي الله عنه فدخلت عليه وسلمت نفسي إليه ولازمت بأنه حتى جمع الله لي كثيراً من الحير ﴿وَبِالاسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ﴾ السحر السدس الأخير من الليل لاشتباهه بالضياء كالسحر يشبه الحق وهو باطل أي هم مع قلة هجوعهم وكثرة تهجدهم يداومون على الاستغفار في الأسحار كأنهم أسلفوا في ليلهم الجرائم.
واين دليل آنست كه بعمل خود معجب نبوده اند وازان حساب نداشته :
طاعت ناقص ما موجب غفران نشود
راضيم كر مدد علت عصيان نشود
وفي بناء الفعل على الضمير المفيد للتخصيص إشعار بأنهم الأحقاء يوصفوا بالاستغفار كأنهم المختصون به لاستدامتهم له وإطنابهم فيه وفي بحر العلوم تقديم الظرف للاهتمام ورعاية الفاصلة وعن الحسن كانوا لا ينامون من الليل إلا أقله وربما نشطوا فمدوا إلى السحر ثم أخذوا بالأسحار في الاستغفار.
جزء : ٩ رقم الصفحة : ١٤٥