وفي التأويلات النجمية يستغفرون من رؤية عبادات يعملونها في سهرهم إلى الأسحار بمنزلة العاصين يستغفرون استصغاراً لقدرهم واستحقاراً لفعلهم :
عذر تقصير خدمت آوردم
كه ندارم بطاعت استظهار
عاصيان ازكناه توبه كنند
عارفان ازعبادت استغفار
أي من التقصير في العبادة أو من رؤيتها قيل : يا رسول الله كيف الاستغفار؟ قال : قولوا اللهم اغفر لنا وارحمنا وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم وقال عليه السلام : توبوا فإني أتوب إلى الله في كل يوم مائة مرة وفي الحديث إن الله ليرفع الدرجة للعبد الصالح فيقول : يا رب أنى لي هذه فيقول بالاستغفار ولدك لك أي بأن قال رب اغفر لي ولوالدي وفي بعض الأخبار أن أحب أحبائي إلى الذين يستغفرون بالأسحار أولئك الذين إذا أردت بأهل الأرض شيئاً ذكرتهم فصرفت بهم عنهم.
قال الحافظ :
هر كنج سعادت كه خداداد بحافظ
ازيمن دعاى شب وورد سحرى بود
١٥٤
وقال :
دركوى عشق شوكت شاهى نمى خرند
اقرار بندكى كن ودعوى اكرى
وفي المثنوي :
كفت آنكه هست خورشيد راه او
حرف طوبى هركه زلت نفسه
ظل ذلت نفسه خوش مضجعست
مستعدان صفارا مهجعست
كرازين سايه روى سوى منى
زود طاغى كردى وره كم كنى
جزء : ٩ رقم الصفحة : ١٤٥
وقال الكلبي ومجاهد وبالأسحار هم يصلون وذلك إن صلاتهم بالأسحار لطلب المغفرة وفي الحديث :"من تعار من الليل" هذا من جوامع الكلم لأنه يقال تعار من الليل إذا استيقظ من نومه مع صوت كذا في الصحاح وهذه اليقظة تكون مع كلام غالباً فأحب النبي عليه السلام أن يكون ذلك الكلام تسبيحاً وتهليلاً ولا يوجد ذلك إلا ممن استأنس بالذكر فقال : لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير الحمدوسبحان الله والله أكبر ولا حول ولا قوة إلا بالله ثم قال : اللهم اغفر لي أو دعا.
أي بدعاء آخر غير قوله الللهم اغفر لي : أستجيب له.
هذا الجزاء مترتب على الشروط المذكورة والمراد بها الاستجابة اليقينية لأن الاحتمالية ثابتة في عير هذا الدعاء ولو لم يدع المتعار بعد هذا الذكر كان له تواب لكنه عليه السلام لم يتعرض له.
قال : توضأ وصلى قبلت صلاته.
فريضة كانت أو نافلة وهذه المقبولية اليقينية مترتبة على الصلاة المتعقبة لما قبلها وفي الخبر الصحيح ينزل الله السماء الدنيا كل ليلة حين يبقى ثلث الليل فيقول : أنا الملك من الذي يدعوني فأستجيب له من الذي يسألني فأعطيه من الذي يستغفرني فأغفر له وكان النبي عليه السلام إذا قام من الليل يتهجد قال : اللهم لك الحمد أنت الحق ووعدك حق ولقاؤك حق وقولك حق والجنة حق والنار حق والنبيون حق ومحمد حق والساعة حق اللهم لك أسلمت وبك آمنت وعليك توكلت وإليك أنبت وبك خاصمت وإليك حاكمت فاغفر لي ما قدمت وما أخرت وما أسررت وما أعلنت أنت المقدم وأنت المؤخر لا إله إلا أنت ولا حول ولا قوة إلا بك قال داود عليه السلام : يا جبرائيل أي الليل أفضل؟ قال : لا أدري إلا أن العرش يهتز وقت السحر ولا يهتز العرش إلا لكثرة تجليات الله إما تلقياً وفرحاً لأهل السهر وإما طرباً لأنين المذنبين والمستغفرين في ذلك الوقت وإما تعجباً لكثرة عفو الله ومغفرته وإجابته للأدعية في ذلك الوقت وإما تعجباً من حسن لطف الله في تحننه على عباده الآبقين الهاربين منه مع غناه عنهم وكثرة احتياجهم إليه تعالى ثم مع ذلك هم غافلون في نومهم وهو يتوجه إليهم ويدعوهم بقوله : هل من سائل هل من مستغفر هل من تائب هل من نادم وقوله : من يقرض غير عدوم ولا ظلوم وإما تعجباً من غفلات أهل الغفلة بنومهم في مثل ذلك الوقت وحرمانهم من البركة وإما لأنواع قضاء الله وقدره في ذلك الوقت من الخيرات والشرور والليل إما للأحباب في أنس المناجاة وإما للعصاة في طلب النجاة والسهر لهم في لياليهم دائم أو لفرط أسف ولشدة لهف وإما للاشتياق أو للفراق كما قالوا :
١٥٥
كما ليلة فيك لا صباح لها
جزء : ٩ رقم الصفحة : ١٤٥
افنيتها قابضا على كبدي
قد غصت العين بالدموع وقد
وضعت خدي على بنان يدي
وإما لكمال أنس وطيب روح كما قالوا :
سقى الله عيشاً نضيراً مضى
زمان الهوى في الصبي والمجنون
لياليه تحكي انسداد اللحا
ظ للعين عند ارتداد الجفون
واعلم أن الله سبحانه أمر نبيه صلى الله عليه وسلّم بأحياء الليل لأن هذه الطريقة أقرب طريق إلى الله للمقبل الصادق وما يطيقها إلا المتمكن الصابر العابر من كل عائق وفي الحديث فرض على قيام الليل ولم يفرض عليكم وذلك لا أنه روح العالم ومداره فكيف يكون الله ولي بخيل بنفسه على الله متكاسل وبتكاسله يخرب العالم ويشتد جهل أهله كما أن الروح إذا ضعف اختل الجسد وقواه ومن هنا عرفت شدة توعل الأتقياء في العبادات وكلما قرب الإنسان من الكمال اشتد تكليفه فاعرف هذا.


الصفحة التالية
Icon