ـ وروي ـ أن الياس النبي عليه السلام أتى إليه ملك الموت ليقبضه فبكى فقال له : أتبكي وأنت راجع إلى ربك فقال : بل أبكي على ليالي الشتاء ونهار الصيف الأحباب يقومون ويصومون ويخدمون ويتلذذون بمناجاة محبوبهم وأنا رهين التراب فأوحى الله إليه قد أجلناك إلى يوم القيامة لحبك خدمتنا فتمتع.
قال الحافظ : دع التكاسل تغنم.
فقد جرى مثل كه زاد را هروان جستيست والاكى ﴿وَفِى أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ﴾ أي نصيب وافر يستوجبونه على أنفسهم أي يعدونه واجباً عليهم ويلزمونه تقرباً إلى الله وإشفاقاً على الناس فليس المراد بالحق ما أوجبه الله عليهم في أموالهم فاندفع به ما عسى يقال كيف يمدح المرء بأنه يثبت في ماله حق للفقراء فمن يمنع الزكاة من الأغنياء يوجد فيهم هذا المعنى ولا يستحقون المدح ﴿لِّلسَّآاـاِلِ﴾ لحاجة المستجدي أي طالب الجدوى والنفع ﴿وَالْمَحْرُومِ﴾ أي المتعفف الذي يحسبه الناس غنياً فيحرم الصدقة وفي القاموس المحروم الممنوع من الخير ومن لا ينمي له مال وفي المفردات أي الذي لم يوسع عليه في الرزق كما وسع على غيره بل منع من جهة الخير وفي بحر العلوم وإنما خصصه بالسائل والمحروم ولم يذكر سائر المستحقين لأن ذلك حق سوى الصدقة المفروضة بدليل قوله عليه السلام إن في المال حقاً سوى الزكاة انتهى يعني في المال حق واجب سوى الزكاة وهو الحقوق التي تلزم عندما يعرض من الأحوال من النفقة على الوالدين إذا كانا فقيرين وعلى ذي الرحم المحرم وما يجب من طعام المضطر وحمل المنقطع ونحو ذلك وفي الحديث ويل للأغنياء من الفقراء يوم القيامة يقولون ربنا ظلمونا حقوقنا فيقول الله لأقربنكم اليوم ولأبعدنهم وتلا الآية فلا بد من الإنفاق وهو من أحسن الأخلاق.
قال الحافظ :
جزء : ٩ رقم الصفحة : ١٤٥
ه دوزخى ه بهشتى ه آدمى ه ملك
بمذهب همه كفر طريقتست امساك
وقال الشيخ سعدي :
از زر وسيم راحتى برسان
خويشتن هم تمتعى بركير
ونكه اين خانه ازتو خواهد ماند
خشتى ازسيم وخشتى اززر كير
١٥٦
وفي الحديث أنثلاثمائة وستين خلقاً من لقبه يخلق منها مع التوحيد دخل الجنة قال أبو بكر رضي الله عنه هل في منها يا رسول الله قال : كلها فيك يا أبا بكر واحبها إلى الله السخاء.
ـ حكي ـ أن الشيخ الشبلي قدس سره أشار إلى أصحابه بالتوكل فلم يفتح عليهم بشيء ثلاثة أيام ثم قال لهم : إن الله تعالى قد أباح الكسب بقوله : هو الذي جعل لكم الأرض ذلولاً فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه فخرج واحد منهم فأعياه الجوع وجلس عند حانوت طبيب نصراني فعرف الطبيب جوعه من نبضه فأمر غلامه بالطعام فقال الفقير : قد ابتلى بهذه العلة أربعون رجلاً فأمر غلامه بحمل الطعام إليهم ومشى خلفه فلما وصل الطعام إليهم قال الشبلي : لا ينبغي أن تأكولوا قبل المكافأة بالدعاء فدعوا له فلما سمع الطبيب دعاءهم دخل وأسلم فظهر معنى قوله هل جزاء الإحسان إلا الإحسان فجزاء إحسان الطبيب النصراني بالطعام الإحسان من عباد الله بالدعاء ومن الله بتوفيق الإسلام وفي الآية إشارة إلى ما آتاهم الله من فضله من المقامات والكمالات إنه فيها حق للطالبين الصادقين إذا قصدوهم من أطراف العالم في طلبها إذا عرفوا قدرها والمحروم من لم يعرف قدر تلك المقامات والكمالات فما قصدوهم في طلبها فلهم في ذمة كرم هؤلاء الكرام حق التفقد والنصح فإذا الدين النصيحة فإنهم بمنزلة الطبيب والمحروم بمنزلة المريض فعلى الطبيب أن يأتي إلى المريض ويرى نبضه ويعرف علته ويعرفه خطره ويأمره بالاحتماء من كل ما يضره ويعالجه بأدوية تنفعه إلى أن يزيل مرضه وتظهر صحته كذا في التأويلات النجمية ﴿وَفِى الارْضِ ءَايَـاتٌ لِّلْمُوقِنِينَ﴾ الإيقان بي كمان شدن.
أي دلائل واضحة على وجود الصانع وعلمه وقدرته وارداته ووحدته وفرط رحمته من حيث أنها مدحوة كالبساط الممهد وفيها مسالك وفجاج للمتقلبين في أقطارها والسالكين في مناكبها وفيها سهل وجبل وبر وبحر وقطع متجاورات وعيون متفجرة ومعادن متفننة وأنها تلقح بألوان النبات وأنواع الأشجار وأصناف الثمار والختلفة الألوان والطعوم والروائح وفيها دواب منبثة قد رتب كلها ودبر لمنافع ساكنيها ومصالحهم في صحتهم واعتلالهم وقال الكلبي عظات من آثار من تقدم.
جزء : ٩ رقم الصفحة : ١٤٥


الصفحة التالية
Icon