وفي التأويلات النجمية منها أي من تلك الآيات أنها تحمل كل شيء فكذا الموقن العارف يحمل كل حمل من كل أحد ومن استثقل حملاً أو تبرم برؤية أحد ساقه الله إليه فلغيبته عن الحقيقة ومطالعته الحق بعين التفرقة وأهل الحقائق لا يتصفون بهذه الصفة ومنها أنها يلقى عليها قذارة وقمامة فتنبت كل زهر ونور وورد وكذلك العارف يتشرب ما يسقى من الجفاء ولا يترشح إلا بكل خلق على وشيمة زكية ومنها أن ما كان منها سبخاً يترك ولا يعمر لأنه لا يحتمل العمارة كذلك من الإيمان له بهذه الطريقة يهمل فإن سره الأطهر ولا تبذر السمراء في الأرض عميان.
يعني بيان الحقائق الذي هو غذاء القلب والروح كالسمراء يعني الحنطة للجسم وقوله في الأرض عميان يعني في أرض استعداد هذه الطوائف الذين لا يبصرون الحق ولا يشاهدونه في جميع الأشياء وفي حقائق البقلى آيات الأرض ظهور تجلي ذاته وصفاته في مرآة الأكوان كما ظهر من الطور لموسى عليه السلام
١٥٧
وما ظهر من المصيصة لعيسى عليه السلام وهي بكسر الميم مدينة على ساحل البحر الرومي بجوار طرسوس والسيس وما ظهر لمحمد صلى الله عليه وسلّم من جبال مكة ألا ترى إلى قوله عليه السلام جاء الله من سينا واستعين بساعة وأشرق من جبال فاران أي جبال مكة وفي القاموس فاران جبال مذكورة في التوراة منها بكر ابن القاسم.
وفي أنفسكم : أي في أنفسكم آيات إذ ليس في العالم شيء إلا وفي الأنفس له نظير يدل دلالته على ما سبق تطبيق العالم الصغير بالكبير في أواخر حم السجدة عند قوله سنريهم آياتنا الخ مع ما انفرد به من الهيئات النافعة والمناظر البهية والتركيبات العجيبة والتمكن من الأفعال البديعة واستنباط الصنائع المختلفة واستجماع الكمالات المتنوعة وفي بحر العلوم وفي الأرض دلائل من أنواع الحيوان والأشجار والجبال والأنهار وفي أنفسكم آيات لهم من عجائب الصنع الدالة على كمال الحكمة والقدرة والتدبير والإرادة فيكون تخصيصاً بعد تعميم لأن أنفس الناس مما في الأرض كأنه قيل في الأرض آيات للموحدين العاقلين وفي أنفسكم خصوصاً آيات لهم لأن أقرب المنظور فيه من كل عاقل نفسه ومن ولد منها وما في بواطنها وظواهرها من الدلائل الواضحة على الصانع وفي نقلها من هيئة وحال إلى حال من وقت الميلاد إلى وقت الوفاة قال بعضهم :
ففي كل شيء له آية
تدل على أنه واحد
وذلك لأن كل شيء بجسمه واحد وكذا بروحه ولا عبرة بكثرة الأجزاء والأعضاء وما من عدد إلا ويصح وصفه بالوحدة فيقال عشرة واحدة ومائة واحدة على أن كل جسم فهو منتهى إلى الجزء الذي لا يتجزى وهو النقطة وكل ألف فهو إما مركب من نقاط ثلاث أو خمس أو سبع وقس عليه سائر التركيبات الحروفية والفعلية.
جزء : ٩ رقم الصفحة : ١٤٥
وفي التأويلات النجمية يشير إلى أن نفس الإنسان مرآة جميع صفات الحق ولهذا قال عليه السلام : من عرف نفسه فقد عرف ربه فلا يعرف أحد نفسه إلا بعد كمالها وكمالها في أن تصير مرآة تامة مصقولة قابلة لتجلي صفات الحق لها فيعرف نفسه بالمرآتية ويعرف ربه بالمتجلى فيها كما قال تعالى : سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق :
جهان مرآت حسن شاهد ماست
فشاهد وجهه في كل ذرات
﴿أَفَلا تُبْصِرُونَ﴾ أي ألا تنظرون فلا تبصرون بعين البصيرة حتى تعتبروا وتستدلوا الصنعة على الصانع وبالنقش على النقاش وكذا على صفاته.
قال الكاشفي : استفهام كنيددر حقايق سلمى مذكور است كه هركه اين آيتها در نفس خودبيند ودر صفحه وجود آثار قدرت مطالعه ننمايد حظ خودرا ضايع كرده باشد واز زندكانى هي بهره نيابد :
نظري بسود خودكن كه توجان دلربايى
مفكن بخاك خودراكه تواز بلند جايى
تو زشم خود نهانى توكمال خود ه دانى
ودراز صدف برون آكه توبس كران بهايى
كتاب روح البيان ج٩ متن
الهام رقم ١٧ من صفحة ١٥٨ حتى صفحة ١٦٨
قال الواسطي تعرف إلى قوم بصفاته وأفعاله وهو قوله وفي أنفسكم أفلا تبصرون وتعرف
١٥٨
إلى الخواص بذاته فقال : ألم تر إلى ربك.
ـ روي ـ أن علياً رضي الله عنه صعد المنبر يوماً فقال : سلوني عما دون العرش فإن ما بين الجوانح علم جم هذا لعاب رسول الله صلى الله عليه وسلّم في فمي هذا ما رزقني الله من رسول الله رزقاً فوالذي نفسي بيده لو أذن للتوراة والإنجيل أن يتكلما فأخبرت بما فيهما لصدقاني على ذلك وكان في المجلس رجل يماني فقال : ادعى هذا الرجل دعوى عريضة لأفضحنه فقام وقال : يا علي اسأل قال : سل نفقها ولا تسأل تعنتاً فقال : أنت حملتني على ذلك هل رأيت ربك يا علي قال : ما كنت أعبد رباً لم أره فقال : كيف رأيت قال : لم تره العيون بمشاهدة العيان ولكن رأت القلوب بحقيقة الإيمان ربي واحد لا شريك له أحد لا ثاني له فرد لا مثل له لا يحويه مكان ولا يداوله زمان لا يدرك بالحواس ولا يقاس بالقياس فسقط اليماني مغشياً عليه فلما أفاق قال : عاهدت الله أن لا أسأل تعنتاً.


الصفحة التالية
Icon